د. فادي كرم

كفى احتيالاً على الديمقراطية!

19 كانون الأول 2022

02 : 00

يسعى فريق التعطيل «للوطن» المُسمّى «محور المُمانعة» لتصوير الحلّ للمشكل الرئاسي بأنّه يكمن في: أولاً، إنتخاب رئيس توافقي بشروطه، وثانياً، في الجلوس الى طاولة حوار لإخراج إنتخاب الرئيس التوافقي ذاته، أمّا المرشّح التوافقي بالنسبة لهذا الفريق فليس اسماً مُحدّداً ولا شخصية مختارة، بل مجموعة من المرشّحين يملكون المواصفات التي تسمح لهم بنيل براءة الذمّة من الدويلة. والفرق شاسع جدّاً بين وصول الرئيس الخاضع لشروط المحور بقوة أصوات المحور فقط، وبين وصوله بتوافق شامل، أكان بعد مشاورات جانبية أو بعد طاولة حوار صورية، وضرر الإتفاقات وطاولات الحوار التي شهدها لبنان سابقاً على السيادة الوطنية وعلى انتظام المؤسسات واضح جداً وجلّي بحيث تفوّق وتجاوز الضرر الآتي من الغزوات الخارجية ومن ظلم الداخل، وإن اتفاقات مشابهة تحدث الآن قد تلعب دوراً لإستجلاب الرضى المالي من الخارج، ولكنّها ستستكمل مخطط إنهاء لبنان الدولة.

وبمقارنة بين المشاورات التحالفية التي تُجريها الأطراف السياسية والتفاهمات الوطنية التي تحتاجها الأوطان خلال مساراتها الطويلة وأزماتها العميقة وبين الحوار الرئاسي المطروح اليوم، يُمكننا أن نُصنّف المشاورات التحالفية والتفاهمات الوطنية في خانة التواصل الايجابي بين أفرقاء الوطن الواحد، أمَا الحوار المُرتجى من قبل محور المُمانعة حالياً فيندرج في خانة السلبيات والإحتيال على الديمقراطية.

تُشكّل الديمقراطية الحضن الواسع الذي يضمّ جميع أفرقاء الوطن، وتأتي القناعة بالحفاظ على التوازن الوطني والشراكة الحقيقية الفاصل بين الإنهيار والإنقاذ، وهذه الركائز مدوّنة في الدستور اللبناني الذي رسّم حدود الديمقراطية اللبنانية المُتفرّدة بتوافقيتها الحافظة لأدوار وخصوصيات كافة الفئات المُكوّنة للشعب اللبناني بغضّ النظر عن العددية. قال الشيخ مهدي شمس الدين في وصيته «الشيعة ومقولة الأقليات في الشرق» إنّ الديمقراطية هي الحل، فالإستبداد مُمهّد للإنقسام وصانع للتجزئة وللحروب الأهلية وللفتن بين الأقليات والأكثريات، وفقط بالديمقراطية وبصورة متدرّجة ومتأنّية نستطيع أن نصل الى السلام المنشود»، وقال أيضاً «إنّ الحوار والإعتراف بالآخر شرطهما الأول قيام الديمقراطية وحماية الحريات من خلال القوانين والمؤسسات، كما الحوار مع الخارج والإعتراف بأهمّية الثقافات والحضارات الانسانية المختلفة». ولكنّ فريق التعطيل يعمل بعكس هذه الوصيّة عندما يضرب هذه الشراكة المُترجمة في الدستور بهدف فرض واقع وطني جديد مُستفيداً من الوضع الشاذّ المُتمثّل بالدويلة المُمثّلة لمشروع محوره الإقليمي الجاهز دائماً لإستخدام كافة الادوات والسبل غير الانسانية لقمع الشعوب.

لا شك في أنّ هذا الفريق الايديولوجي يُدرك أنّه ليس بالقوة والفرض فقط يستطيع تمرير مُخطّطاته العدوانية ضدّ اللبنانيين ولذلك يُرفقهما بحملة تشويه لمواقف مناهضيه، فيتمسّك بمنطق الحوار حول الانتخابات الرئاسية، ويتّهم رافضي الحوار بعرقلة إتفاق اللبنانيين على رئيس، وإن هذه المحاولة تؤكّد مثابرته على مفهومه المُرتكز على الاحتيال على الديمقراطية. ويمارس هذا الفريق ضغوطاته على البعض من المتجاوبين مع سطحية الطرح والجاهلين لعمقية الهدف، أو الباحثين عن أدوار تجعلهم البدلاء عن الحلفاء السابقين لمحور الدويلة. يصوّر إعلام المحور بأنّ المتعاونين معه هم رُسل سلام ويستخدمهم كحمائم ضغط لتسويق فكرة الحوار الملغوم، تماماً كما استطاعت الاحتلالات التي مرّت على لبنان تحويل بعض اللبنانيين خدماً لديها تحت عناوين برّاقة، منها العدالة الاجتماعية ومنها العلمانية الجميلة ومنها القوميات التاريخية، ولكن استخداماتهم أمّنت حينها الغطاء الوطني الذي سهّل الاحتيال المقصود على الديمقراطية والشراكة والحوار الحقيقي والتفاهم الوطني.

الخيار الوطني هو بين فكرين، واحد تابع للمشاريع الالغائية للبنان الثقافة والحرّيات والديمقراطيات، وواحد حاضن للبنان الوطن الناجح والمتطوّر والمنفتح. هنا هو الخيار دائماً وأبداً، عند كل الغزوات، أكانت من أنظمة أو من دويلات.

(*) عضو تكتل «الجمهورية القوية»


MISS 3