رفيق خوري

سلطوية خائفة ومخيفة فوق رمال متحركة

22 كانون الثاني 2020

01 : 00

أهل الأزمة هم أهل السلطة. ولا أحد يتصرف على أساس أنه مسؤول. لا عن أخذ لبنان إلى هاوية الأزمة بوجوهها السياسية والمالية والإقتصادية. ولا عن العمل لإخراجه من الهاوية. وعلى العكس، فإن المسؤولين عن الفشل القاتل للبلد والناس يكافئون أنفسهم بالمواقع في السلطة، بحيث يقبضون بدل أن يدفعوا ثمن الفشل. وهم خائفون ومتغطرسون.

خائفون مما يرونه "خطر" الثورة الشعبية العابرة للطوائف والمذاهب أكثر من خطر الإنهيار اللبناني. ومتغطرسون يتجاهلون مطالب الشعب ودعوات المجتمع الدولي، لأن سهولة اكتسابهم شيئاً من الشعبية في الماضي بالخداع واللعب على العصبيات جعلتهم يتطلعون من فوق إلى الناس وبالذات إلى مؤيديهم، ويتصورون أن المجتمع الدولي ينام بلا عشاء إن لم يسترضهم. شعارهم الحقيقي ما كان يقوله كاليغولا الأمبراطور الروماني الذي عيّن حصانه عضواً في مجلس الشيوخ: "دعهم يكرهوننا ما داموا خائفين منا". والمبدأ الذي يمارسونه هو نصيحة مكياڤيللي للأمير: "ما يفيد الأمير هو إشاعة فضائله، وما يؤذيه هو ممارسة الفضائل".

ذلك أن أقل ما يرافق عملية تأليف الحكومة هو شد اللحاف بين جماعة الفريق الواحد لضمان التوازنات داخل الحكومة. وهي توازنات في بناء فوق رمال متحركة. وكما في الخلاف كذلك في التفاهم: لا مشروع، لا رؤية إنقاذية. مجرد شبق إسمه السلطة للسلطة والمال.

والذين يراهنون على الحكومة يعرفون أنها "تشرشحت" من قبل أن تولد. فالطريقة البائسة في مسار التكليف وعملية التأليف تعكس وظيفة الحكومة وطريقة العمل داخلها. الوظيفة هي كثير من خدمة النافذين وتغطية مهام مطلوبة في الداخل والصراع الجيوسياسي في المنطقة، وقليل من تخفيف الأحمال الثقيلة للأزمة على الناس. وطريقة العمل هي ترتيب الصفقات على قياس المحاصصة في المواقع والتشاطر في المواقف.

ولا أحد يعرف، إذا استمر تجاهل مطالب الثورة التي دخلت شهرها الرابع، متى ينتقل الشباب الغاضب من الوقوف في الشارع إلى السعي للسيطرة على المؤسسات. لكن الكل يعرف، والساحات مفتوحة أمام الثوار كما أمام المندسين، أن ما رأيناه من عنف ليس من المفاجآت. وحتى في الفراغ الحكومي، فإن عنف السلطة تجاوز الحدود.

في كتاب جديد عنوانه "المدفون: اركيولوجيا الثورة المصرية" يقول بيترهاسلر: "تعلمت في مصر أن سلطوية غير بنيوية أخطر من سلطوية بنيوية". أليس هذا ما ينطبق على ديمقراطيتنا التي تحولت "سلطوية غير بنيوية" خائفة ومخيفة، حيث تمنع تركيبة البلد قيام سلطوية بنيوية.


MISS 3