الشامي يخرج عن طوره ويخطئ التصويب... بانحراف متعمّد!

02 : 00

الشامي يخرج عن طوره!

شنّ نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي في بيان أمس هجوماً عنيفاً على من أطلق عليهم تسمية «الاقتصاديون الجدد» لأنهم، برأيه، جهلة أو أصحاب مصلحة في هجومهم على خطة الحكومة للإصلاح. واستعمل الشامي تعابير لا تشي إلّا بأنه خرج عن طوره، وراح يستعمل تعابير استفزازية واتهامية وتهكّمية من العيار الثقيل.

بغضّ النظر عن رأي هؤلاء الذين يتّهمهم الشامي بما يتّهمهم، هل نسي أننا في بلد إعلامه يتمتع بحرية نسبية تتسع للرأي والرأي الآخر تحت سقف القانون؟ هل نسي الشامي أن الخطة التي يتحدث عنها، لم يكلف هو نفسه عقد مؤتمر صحافي ليشرحها؟ والسؤال المحوري هو: هل هؤلاء أخطر على الخطة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف وعدد من الوزراء والنواب المتعاطفين مع البنوك والحاكم؟ هل يعلم الشامي أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تحدث الى النواب قبل أشهر وقال لهم إن الخطة قابلة للتعديل؟ وما حصل لاحقاً يؤكد ذلك، إذ ظهرت فروقات عديدة بين الخطط التي سرّبت بين بداية العام واليوم، لا بل هناك اختلافات جوهرية في ما بينها. إذا، عن أي خطة نتحدث؟ الى ذلك، نسأل الشامي هل باستطاعته إعلان الاعتراضات التي يعلمها جيداً بين فريق العمل الواحد الذي يفترض أنه متفق على الخطة؟ هل يستطيع أن يبلغنا ما رأي سلامة وكيف تطوّر سواء ضد صندوق النقد أو ضد بعض طروحات الشامي نفسه؟ هل يستطيع أن يخبرنا عن آراء مستشار رئيس الحكومة نقولا نحاس وكيف تطوّرت مع الوقت، وما موقفه اليوم وهو الذي كان رأس حربة ضد بعض الخطط الإصلاحية؟

أراد الشامي من بيانه أن يقول لنا إنه مهذب وليس ضعيفاً وهذا حقه. لكن عليه التحلي بالجرأة الأدبية ليجري لنا مقارنة بين الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي والخطة الأخيرة التي بين يديه. هل الاتفاق ينص على صندوق لاسترداد الودائع؟ هل الخطة تحترم رأي صندوق النقد في عدم التوسع في استخدام الأصول العامة لإطفاء الخسائر؟ وما هي الفوارق بين طروحات الصندوق الخاصة بحماية صغار المودعين وطروحات الشامي التي تتغيّر كل شهر أو شهرين؟

بيان نائب رئيس الحكومة

وكان نائب رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي أصدر بياناً أمس جاء فيه أنّه «من مفارقات الأزمة التي يمرّ بها لبنان أنها أنتجت طبقة من «الاقتصاديين الجدد» الذين هم، إمّا دخلاء على علم الإقتصاد وإما اقتصاديون تنكّروا لما تعلّموه لمآرب شخصية وآنية. هؤلاء ينظّرون في كل شاردة وواردة ويسرحون وَيمرحون على مسارح شاشات التلفزة ويتكلمون بثقة كبيرة وكأنهم ختموا العلم والمعرفة، ويتهجّمون على الذين يعملون بصمت ويتّسمون بالتواضع الذي هو من سمة الذين يحترمون الرأي الآخر، وهو دليل رقي، وليس كما يظن البعض دليل ضعف. أما تعالي البعض وعجرفتهم فهي، إما دليل جهل أو مصدر رزق. لقد أعمت المصالح الخاصة وتضاربها بصيرة بعض الذين يدّعون المعرفة المطلقة بكل شيء، وانحدر مستوى تحليلاتهم إلى ما دون الصفر، إلى حدٍّ يثير الشفقة والحزن الى ما وصلوا إليه. هذا الجنس من «الخبراء» هم الأسوأ لأنهم ربما يدرون ماذا يفعلون».

وقال: «إني أتفهم أن يصدق بعض المتضررين من الأزمة وعود هؤلاء «الخبراء» الفارغة التي لا تستند إلى أساس منطقي أو علمي. ولكن ليس من الطبيعي ولا المنطقي ولا الأخلاقي أن يصبّ هؤلاء المستاؤون من تجاربهم غير الموفّقة، حتى لا أقول الفاشلة جام غضبهم على خطة الإصلاح المالي والاقتصادي وأن يزوّروا بعض معالمها بدل أن يحاولوا إغناءها وتحسينها إذا دعت الحاجة لذلك. إنهم يستخفون بعقول الناس والناس أذكى بكثير ممّا يعتقدون. الجميع يدرك أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو ممرّ إلزامي للإصلاح حتى يعود لبنان إلى الأسواق العالمية وتأتي المساعدات التي نحن في أشدّ الحاجة إليها من الدول والمنظمات الدولية الأخرى التي تُجمع كلّها على ضرورة الاتفاق مع الصندوق، وإلا فإن فلساً واحداً لن يأتي إلى لبنان. فالقول إننا لسنا بحاجة إلى الصندوق ينمّ عن جهل متعمّد للواقع وللظروف التي نعيشها، فالاتفاق مع الصندوق ليس محبة به بل محبة بلبنان».

وأضاف: «الوضع صعب وصعب جداً ويحتاج إلى مواجهة الواقع بشجاعة واتّباع سياسات وتدابير قد تكون صعبة ومؤلمة للخروج من هذه الأزمة غير المسبوقة في التاريخ المعاصر. فهل يعقل أن توجد حلول بهذه البساطة التي يدّعيها البعض ويقرر الذين أعدوا برنامج الإصلاح اللجوء إلى حلول صعبة وتدابير قاسية؟ المؤسف أيضاً أن بعضاً من هؤلاء الجهابذة كانوا وفي الماضي القريب يردّدون أنه ليست هناك من أزمة في ميزان المدفوعات وأنه ليس هناك من خطر على الليرة، وأن لبنان غير مؤهل لاتفاق مع الصندوق! هم أنفسهم اليوم وبدل أن «ينكفئوا» لأنّه لا صحة لما ادّعوه في السابق ويدّعونه اليوم، ما زالوا يتحفوننا بنظريات بائسة واتهامات باطلة. بئس هذا الزمن الذي وصلنا إليه حيث بات أصحاب النظريات الفاشلة على أرض الواقع والمسيرات المهنية الواهنة ينظّرون على الذين يعملون بصمت وتصميم للخروج من الأزمة».

وتابع: «يشدد هؤلاء «الاقتصاديون» على استعمال كلمة «شطب الودائع» ويردّدونها بانتظام لغاية في نفوسهم أو نفوس أشخاص أو مجموعات أخرى حتى ترسخ هذه الكلمة في الأذهان وللإيحاء بأن الحكومة هي ضد المودعين وهم الذين لم يتفوّهوا بكلمة واحدة منذ أن بدأ المودعون يخسرون قسماً كبيراً من قيمة ودائعهم قبل ثلاث سنوات. وكذلك من المستهجن أن تدبّ الغيرة على مصلحة المودعين من قبل مجموعات معروفة بعد أن تيقنت أن استنزاف أموال المودعين بالطريقة التي كانت عليها لم يعد صالحاً مع برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي الذي اتفق على أساسه مع صندوق النقد الدولي والذي أسس لعملية إصلاح متكاملة تنصف المودعين الصغار وتؤسس للتعويض على كبار المودعين (والذي لا مجال للدخول في تفاصيله الآن وإن كنا قد شرحناها في السابق لمن يريد أن يسمع) أما البدائل الأخرى على قلّتها فهي تبقى مجرد وعود واهية لا ترتكز على أي أسس يمكن البناء عليها. أضف إلى ذلك أن هؤلاء المنظّرين تغافلوا وبقصد عن كل السياسات الأخرى التي تشكّل عناصر البرنامج وتجعله برنامجاً إصلاحياً متكاملاً يؤسس لتعافٍ اقتصادي متين يضع البلد على الطريق الصحيح».

وختم: «لقد تمادى «الإقتصاديون الجدد» وعن سابق تصور وتصميم بهدف الانقضاض الممنهج على برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي الذي بدونه سيذهب البلد إلى قعر أعمق من الذي نحن فيه اليوم. نعم إن نجاح خطة الحكومة ليس مضموناً إذا لم نقم بكل الإجراءات الضرورية المطلوبة وفي الوقت المناسب وأن ذلك دونه صعوبات جمّة وخاصة مع التقاء مصالح بعض «النخب» مع مصالح بعض صانعي القرار في لبنان. ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أن نضعف أمام التحديات الهائلة التي نواجهها، بل على العكس يجب العمل بكل ما أوتينا من قوة لتحقيق ما هو مطلوب. وهنا يحضرني قول للأديب الكبير سعيد تقي الدين «ليس المهم أن تصرع التنين بل المهم أن تصارعه». وها نحن نصارع هؤلاء التنانين وقد نفشل ولكن على الأقل سيكون لنا شرف المحاولة».