شربل داغر

سياسات القوة: أي قوة؟ أي قوي؟

24 كانون الأول 2022

02 : 00

ماذا بقي من "العهد القوي"، وقد انتهى عهد رئيسه الجنرال ميشال عون، رئيس الجمهورية السابق؟

لن اقوم بجردة حساب، وقد قام بها كثيرون، بين صحافيين وسياسيين، إذ إنني ارغب في حديث آخر عن القوة والقوي...

إحتفظَ حزب "القوات اللبنانية" باسم "الجمهورية القوية" لكتلته البرلمانية، مثلما احتفظ "التيار الوطني الحر" باسم "لبنان القوي" لكتلته البرلمانية، بدوره.

هذا مع العلم ان إعلان القوة هذا يعود إلى الولاية البرلمانية السابقة، ما عنى في حسابَيهما التأكيد بل التشديد على وجوب استعادة القوة لموقع الرئاسة المحسوبة للموارنة.

وقد سبق بلوغ عون (كما هو معلوم) التقاءٌ وتنافسٌ بين هذين التنظيمَين، ما أدى إلى "اتفاق" بينهما، لم يلبث فريق عون أن مزقَه بعد وصوله إلى سدة الرئاسة.

ولكن ماذا عن صحة هذا التشخيص لحل مشاكل الدولة المعطوبة؟

الواضح أن ايّاً من هذين الفريقين لا يطالب بتعديل "اتفاق الطائف"، الناظم للحياة الدستورية.

يطالبان، وغيرهما من القوى السياسية، بإجراء تعديلات فيه ليس إلا، في ما خلا دعوات طوباوية أو مستقبلية للانتقال إلى جمهورية جديدة، ودستور مغاير.

الغريب في ما تقول به هذه القوى- على اختلافاتها الحادة والنزاعية- هو أنه لا يمس الدستور، ولا الجمهورية، بل يصيب مدى تمكنها من السلطة.

هذا ما تسميه اللغة السياسية السارية بـ"المحاصصة"؛ وهي تسمية مناسبة بصورة جزئية. ذلك أن ما يعطل انتظام الحياة السياسية والدستورية، تحت عناوين "التوافق" و"الحوار"، هو تحكمُ القوة العسكرية لـ"حزب الله"، منذ العام 2005 على الأقل، واستتباعُها (بدل الحديث عن تحالفها) لعدد من القوى الطائفية والسياسية المختلفة. فكيف اذا وجَدت هذه القوة، في تحالفها مع حركة "أمل"، القاعدة السياسية لهذا التحكم.

هذا الكلام معروف... ولكن ماذا يمكن القول في الخروج من الدورة العنيفة المنغلقة على نفسها، من دون أن تتمكن اي "قوة" من تعطيلها؟

يتحقق دارس "اتفاق الطائف"، بالمعنيَين الدستوري والسياسي، من اختلاله البنيوي، حيث إن إدخال القوة، إضافة إلى التمثيل القوي، في منصب الرئاسة يُسقط كون الرئيس بات حَكَماً في هذا الدستور، لا رئيساً بالمعنى التنفيذي للحكم والسلطة.

ما يبيحه ويتيحه هذا الدستور هو قيام "أغلبيات" برلمانية وسياسية، سواء لرئاسة الجمهورية أو لرئاسة الحكومة والحكومة، من دون أن يدعو إليها أحد من هذه القوى، التي تتنافس وتتخاصم في الدورة المغلقة عينها.

الغريب هو أن قوى سياسية عديدة كانت تميل، في الدستور السابق، في أحيان كثيرة، إلى تغليب منطق "الاغلبيات"، مع أن رئيس الجمهورية كان رئيساً للسلطة التنفيذية قبل أي شيء آخر.

ألا يعني هذا أن القوى السياسية الحالية ضعيفة التمثيل، على الرغم من تضخمها، وانها ترغب في التحكم لا في إدارة ديموقراطية للبلاد؟

ألا يعني "سكوت" اللبنانيين عما يصيبهم في السنوات الأخيرة دليلاً على انعدام أو ضعف الثقافة الديموقراطية في هذه الجماهير العريضة؟

ألا يعني ان منطق التحشدات والانشدادات والهويات يغلب على المصالح والخيارات والانتخابات؟

ألا يعني هذا أن ما انتظم، منذ نظام القائمقاميتين (1841)، هو الناظم لهذا البلد، من دون أن ينجح اي مشروع (بما فيه العلماني) من فكفكة، ولو تدريجية، لهذا التناسل العنيف والعقيم في آن، بين الهوية (بدل المصلحة) والتمثيل (بدل التحكم) السياسي؟


MISS 3