مارون خريش

العودة إلى الدستور تحلّ الإشكالات أم تزيدها؟

28 كانون الأول 2022

02 : 00

من المسلّم به أنّ الدستور هو القانون الأعلى الذي يجب الاحتكام إلى نصوصه لحلّ أي إشكال قانوني. ولكننا نرى عكسه في قضية معاشات العسكريين المتقاعدين التي تحوّلت إلى بازار سياسي. فلقد رفض وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم السير بالمرسوم الذي أقرّه مجلس الوزراء متذرعاً بوجوب توقيعه من قبل كل الوزراء مجتمعين.

هل هناك نص دستوري يرعى هذه الحالة؟

ينصّ الدستور اللبناني في المادة 62 عـلى تولي مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة في حال خلو الرئاسـة لأيّ علة كانت. ولم يتطرق نص المادة إلى آلية عمـل خاصـة بهـذه الحـالة، ولم يفسّر كيفية ممارسة الحكومة لهذه الصلاحيات. وجاءت المادة 65 في البند 5 وشرحت آلية اجتماعات مجلس الوزراء وكيفية اتخاذه القرارات في كل الأحوال.

وقالت إنّه يجتمع بنصاب ثلثي أعضائه ويتخذ قراراته بأكثرية الحاضرين الّا في المواضيع الكبرى المذكورة بوضـوح في هذه المادة.

ومن هذه القرارات تندرج ضمناً المراسيم، إذ يكفي لاقرارها نصف أصوات الحاضرين زائداً واحد وأن يوقّع عليها رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنيون بموضوع المرسوم، لكي تصبح نافذة.

هل ينشر رئيس الجمهورية فقط المراسيم التي أقرّت بالإجماع؟

رئيس الجمهورية في هذه الحالة لا يستطيع أن يستنسب ويوقّع من المراسيم فقط ما تمّ الإجماع عليه في مجلس الوزراء بل يجب أن ينفّذ الدستور ويصدر كل المراسيم ويأمر بنشرها. وله أن يردّها إلى المجلس لإعادة النظر بها، فإن أصر المجلس على موقفه تُنْشَر بعد انقضاء مهلة خمسة عشر يوماً. وهذا ما نصّت عليه المادة 56 من الدستور بحيث تصبح نافذة من تاريخ نشرها من دون توقيع رئيس الجمهورية.

هل يستطيع مجلس الوزراء تجاوز حدّ الوكالة؟ ومن أين إذاً أتت «بدعة» وجوب توقيع كلّ الوزراء على أيّ قرار أو مرسوم صادرين عن مجلس الوزراء؟ خصوصاً وأنّ الصلاحية المناطة بهذا المجلس هي وكالة، ولا يجوز للوكيل تجاوز حدّ الوكالة أي صلاحيات رئيس الجمهورية المحددة في المادة 56.

هل نستطيع تجزئة الصلاحيات؟

هنا يُطرَحُ السؤالُ المفصلي: هل يحقُ لأي وزير منفرداً ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية ورد القرار أو المرسوم إلى مجلس الوزراء شكلاً أو مضموناً؟ بمعنى آخر: هل تُجَزَّأ صلاحياتُ مجلس الوزراء المعطاة له وكالة حسب الدستور، ويعطى كل جزء منها لوزير؟ أم أن الوكالة أعطيت للمجلس مجتمعاً ليمارسها وفقاً لما ورد في البند 5 من المادة 65؟

الجواب بسيط: يجب تطبيق الآليات الدستورية التي وردت بنصّ، ولا مجال لاختراع آليات لم يأتِ الدستور على ذكرها.

هل يعتبر المرسوم دستورياً؟

المرسوم المعدّ من قبل مجلس الوزراء لمنح المساعدات لعناصر القوات المسلحة في الخدمة الفعلية والتقاعد هو مرسوم دستوري وجاء تطبيقاً للمواد الدستورية التي ترعى هذه الحالة وإن القول بأنّ المرسوم تلزمه تواقيع جميع الوزراء عليه لا يستند إلى أيّ نص دستوري أو آلية دستورية.

ماذا لو طبّق على ردّ الوزير للمرسوم ما يطبق على رده من قبل رئيس الجمهورية؟

واستطراداً لما مرَّ ذكرُه حتى لو سلّمنا أنّ الوزير يستطيع منفرداً ردّ المرسوم إلى مجلس الوزراء شكلاً أو مضموناً تطبيقاً للمادة 56 الآنف ذكرها لأنّه يعتبر نفسه يقوم بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية كما فعل وزير الدفاع بمرسوم المساعدات للقوات المسلحة في الخدمة الفعلية والتقاعد، فإنّ مجلس الوزراء في هذه الحالة يستطيع تطبيق المادتين 56 و 65 من الدستور ونشر المرسوم واعتباره نافذاً من دون توقيع الوزير المعترض بوصفه أحد الوزراء المعطاة لهم الوكالة بموجب الدستور، حسب زعمه، ويقوم بدور رئيس الجمهورية، وذلك ضمن مهلة خمسة عشر يوماً من تاريخ ايداعه الوزير المعني.

(*) ماجستير في قانون الأعمال


MISS 3