مازن مجوز

إعترافات مشاركين في التكسير: أدوات التحطيم تراوحت بين العصي والمطافئ وإشارات المرور

السلطة مُصابة بـ "اضطرابات السلطة"

25 كانون الثاني 2020

02 : 00

العلاج لما يجري في الشارع ولا سيما حالات الهرج والمرج التي شاهدها اللبناني مراراً وتكراراً في الأيام الأخيرة بما تضمنته من تكسير وتحطيم لواجهات البنوك والمصارف وآلات الصراف الآلي يجب أن يكون علاجاً لأهل السلطة الذين يعانون من مرض "إضطرابات السلطة"، يبدأ من محاكاة الناس بأفكار جديدة والنجاح في استيعاب غضب الشارع، وبجرعات من التواضع والتنازل عن بعض التفاصيل التي لا تزال تخلق شرخاً بينهم وبين الناس ولا تنتهي بتشكيل حكومة وفق ما "يشتهيه" الشارع، بحسب أخصائية علم النفس العيادي باسكال الخازن.

وإلى حين دخول الحلول الأبواب الحقيقية والمطلوبة لـ"الحل" قد نكون أمام جولة جديدة من "التكسير والتحطيم" وقطع الطرقات عسى أن يأتي يوم يقضي الله فيه أمراً كان مفعولاً.

"كيف لا تريدني أن أكسر وأحطم وأنا انتظرت بالأمس ثلاث ساعات في الصف حتى يأتي دوري لأحصل على 100 دولار وفي النهاية يقول لي المدير لم يعد لدينا دولارات، تعال غداً" يقول محمد ق. (37 عاماً، يعمل في إحدى الشركات الخاصة)، مضيفاً "عندما وجدت أن العصا لم تعد تجدي نفعاً، حملت مطفأة الحريق من مدخل بنك عودة لأحطم بها واجهة زجاجه الخارجي، فيما كان صديقي حسن ي. يساعدني بتكسير هذه الواجهة نظراً لصلابتها مستخدماً أحد أعمدة السير التي نجح باقتلاعها مع مجموعتنا الشبابية، وهكذا نجحنا جزئياً بالمخطط الذي وضعناه ليلة الإثنين وتضمن دعوة كل فرد غاضب من معاناته اليومية في المصرف.

الأنابيب الحديدية انتقاماً لإهانة أخته

بدوره يعترف علي ح. ( 33 عاما، سائق تاكسي) بأنه حمل معه مجموعة من الأنابيب الحديدية من منزله لتوزيعها على أصدقائه الخمسة، بعد الإهانة التي تعرضت لها أخته في أحد فروع فرنسبنك، وأنه جاء لتحطيم "أجهزة الصراف الآلي" انتقاما لها بعدما سمع بالدعوة إلى التجمع أمام البنوك في الحمرا عبر شاشات التلفزة، قائلاً: "كيف سأصدق أن الاهانات اليومية التي نتعرض لها في البنوك، من أجل 100 دولار واللعب بسعر الصرف من قبل الصيارفة يحصل من دون إذن وموافقة من رياض سلامة؟ هم يستأهلون أكثر مما فعلناه بكثير".

عبوات لرش الألوان وانتزاع كاميرات المراقبة

مجموعات أخرى تولت مهام أخرى غير التكسير ومنها المجموعة التي ينتمي إليها فادي خ. (29 عاماً، يعمل في إحدى المهن الحرة) ويكشف: "قمنا بشراء عبوات رش الألوان ولا سيما ذات اللون الأحمر، مطلع الأسبوع الفائت لنكتب "يسقط يسقط حكم المصرف" على الجدران وعلى زجاج البنوك وعلى أجهزة الصراف الآلي حتى لو كانت محطمة" وأثناء هجومنا قمنا بانتزاع كاميرات المراقبة لبنوك لبنان والمهجر، الإعتماد اللبناني، بيبلوس، وفرنسا بنك، واللبناني الفرنسي علّ جماعة المصارف يشعرون بألمنا ويكفوا عن إهانتنا وإذلالنا، ويعيدوا لنا أموالنا"، مشدداً أن تحرك مجموعته لن يتوقف في منطقة الحمرا بل سينتقل إلى منطقة مار الياس وكورنيش المزرعة وربما إلى غيرها حسب دعوات الثورة وفق قاعدة "لكل يوم برنامجه الخاص".


الحق ليس على الثوار

وبإزاء هذا التحول في نهج الثورة، واستهداف عشرات البنوك في أكثر من منطقة، في خضم أزمة سيولة حادة تنذر بتصعيد الاحتجاجات التي بدأت في 17 أكتوبر الماضي، كان لا بد من التوقف عند أبعاد وخلفيات ودوافع عمليات التكسير والتحطيم وفي هذا تقول الأخصائية في علم النفس العيادي، المعالجة النفسية باسكال الخازن في حديث لـ "نداء الوطن": "لا عجب حيال تصرفات الثوار، كون دولتهم أثبتت أنها تكره المواطن وتسرقه وتذله وتجعله يعاني من الأمراض، وهو يتخبط في بيئة ملوثة، ويفرض عليه أن ينتمي إلى زعيم طائفته ويكره بلده وأن لا يشعر بالإنتماء إليه إلى ان ضاقت سبل العيش به، وهذه النقطة نفسية معنوية عاطفية مهمة جداً من المفترض بالجميع أخذها بالإعتبار".

وتضيف أنه وبحسب أحدث الدراسات فإن السلطة مصابة باضطرابات إسمها "إضطرابات السلطة" مثل Syndrome d'hubris"وهي عندما يعيش مسؤول سياسي في عالم خاص به، ويرى الواقع المحيط به بحسب آرائه ونظرته، ويرفض الآراء والانتقادات والإعتراضات لأنه يعتبر أنها موجهة ضده ولشخصه وصولاً إلى أن يمنع ذلك.

وتفيد أنه وفي هذه الحالة تكون الـ"أنا" عنده زادت عن حدودها، ويعتبر أن كل طروحاته وأفكاره مبررة وأن الحق لا يقع عليه بل على غيره. واليوم "الأنا ego"، يبدو مسيطراً على اهل السلطة ويتخبطون بأزمة من هو محق ومن هو مخطئ، أزمة لا يعرفون كيفية الخروج منها فيما الشعب يعاني من أزمات لا تحصى، ليس أقلها الفقر والإذلال.

أما Myth Omani هو عندما يكون المسؤول في السلطة يطلق خبرية ربما تكون نابعة من نية سليمة، ولكن بالأساس تكون كذبة، كإعطائه المواعيد والوعود التي لا تكون مبنية على أسس سليمة بل تكون نوعاً من "التفنيصة" ومع الوقت يصدقها ويسعى الى إقناع الشعب بها بأنه لم "يفنص" لكن هناك أشخاص لم يساعدوه والحق لا يقع عليه بل على الآخرين، وهكذا يعيش الكذبة ويفرضها على من حوله أي عندما تكذب السلطة وتصدق نفسها. وهذه أبرز الامور التي نصفها بـ "اضطرابات السلطة " وهي موجودة في كل العالم، أما نتائجها فتكون استفزازاً على المدى الطويل للشعب الذي تلقى الوعود على فترة طويلة ويلمس ان النتائج لا علاقة لها أبداً بالوعود لا بل هي سيئة الى درجة تشعرهم بالاذلال، وفق الخازن.

خسائر البنوك كبيرة

أما على مستوى الخسائر التي لحقت بأجهزة الصراف الآلي يُفيد مصدر مصرفي مطلع أن الإحتجاجات يومي 14 و15 كانون الماضيين شكّلت نقطة وعلامة فارقة في يوميات الثورة اللبنانية، ولكنها لم تكن المرة الاولى، مُخلفةً وراءها خسائر مادية مرتفعة، كان بالإمكان تفاديها حيث أن التكاليف الاولية للصيانة مرتفعة، خصوصاً لجهة "ماكنات السحب الآلي" أو "الصراف الآلي" الخاص بها، ذلك أن مصادره أجنبية غالباً لجهة التصنيع وحتى البرمجة، فيما التجميع محلي مع البرمجة والصيانة، كاشفاً أن سعر شراء آلة الصراف الآلي الواحدة يتراوح بين 20 و 35 الف دولار أميركي، وذلك حسب مواصفاته الإلكترونية، وإذ ترفض تسمية الشركات التي تقوم بتصنيعها في الخارج، تكشف بأن تكلفة البطاقات الممغنطة تتراوح بين 0,25 الى 0,50 دولار أميركي للبطاقة الواحدة. وعادةً ما تبلغ تكلفة البطاقات الذكية من 6 إلى 10 دولارات أميركية للبطاقة الواحدة، مما يشير بشكل صريح الى فداحة الخسائر والفعل غير المنضبط، والبدل المادي الضخم لإصلاح الأضرار والخسائر.


MISS 3