رفيق خوري

حكومة بالوكالة في مناخ متغيّر

25 كانون الثاني 2020

01 : 55

لا براءة في السياسة، ولو جيء بملائكة لممارستها. ولا قوى نافذة تصنع حكومة اختصاصيين إلا على طريقة مكره لا بطل، ومن أجل وظيفة سياسية تحت عنوان مالي واقتصادي. وليس الخيار المفروض بالإضطرار سوى صفقة بين مساهمين مع سواهم في إيصال لبنان إلى أخطر مرحلة في مسار إنحداري. مرحلة يقال لنا فيها: إنسوا ترف النظرية القائلة: الأزمة أفضل من الحل السيئ. وتذكروا الرأي القائل: حكومة سيئة أفضل من لا حكومة. لكن هذا ليس قدر لبنان. وقمة الواقعية في الأزمات التي تضربنا هي تغيير الواقع، لا التسليم به الذي هو وصفة للإنهيار الكامل.

ومن طبائع الأمور أن يبدو الإنطباع عن الحكومة بالمفرق متمايزاً عنه بالجملة. فمن ينظر إلى أعضائها فرداً فرداً يرى بينهم سيدات وشخصيات نوعية تملك خبرات وأكداساً من الشهادات. ومن ينظر إليها مجتمعة يرى حكومة بالوكالة مثل الحروب بالوكالة. ولا أحد يربح حرباً بالوكالة. ولا أحد يحل أزمات بالوكالة بعدما صنعها بالأصالة. فالذين انصبّ عليهم الغضب الشعبي في الشارع هم الذين اختاروا وكلاءهم في الحكومة بشكل واضح وعبر محاصصة معلنة. واقل ما ينطبق على هذا الوضع ما جاء في الإنجيل: "الحجر الذي رفضه البنّاؤون صار رأساً للزاوية"، وإن كان المقصود هنا معنى مختلفاً.

ذلك أن الحكومة محكومة بأن تكون في خدمة الذين صنعوها وضمان مصالحهم. وبين ما يريد هؤلاء أن يروه هو نهاية الثورة الشعبية السلمية التي يقول رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب أنه يريد تحقيق مطالبها. وعلى طريقة جبران خليل جبران القائل: "لكم لبنانكم ولي لبناني"، فإن الشعار المرحلي لأصحاب الحكومة هو: لكم ثورتكم ولنا حكومتنا. ومن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، الرهان على أن "تتمرد" الحكومة على الذين جاؤوا بها ويمنحونها الثقة في المجلس النيابي. لكن مشكلتها أن هذه الثقة لا تكفي. فهي في حاجة إلى ثقة الشعب الثائر، وثقة المجتمع الدولي. ولا ثقة ومساعدات من دون إصلاحات جدية. ولا أحد يتوقع أن تتغير العادات ويسمح النافذون بإجراء إصلاحات تكبل أيديهم وتوقف الصفقات.

وليس أصعب من حل الأزمات سوى إدارة موقف لبنان من الصراع الجيوسياسي في المنطقة. والمخيف هو أن يقود العجز عن إدارة الأزمات إلى تعميقها. ومن الوهم تجاوز الثورة الشعبية العابرة للطوائف والمذاهب. فما صنعته الثورة حتى الآن هو تغيير المناخ السياسي. والقاعدة، حتى في الطبيعة، "إن الصحارى هي صحارى بسبب المناخ لا التربة" كما يقول العالم الفرنسي تيودور مونو.


MISS 3