رفيق خوري

تعطيل النظام والعجز عن تغييره

31 كانون الأول 2022

02 : 00

القفز من فوق إرادة المسيحيين لعبة خطرة جداً، وإن بدت سهلة وممكنة. كذلك كان القفز في الماضي من فوق إرادة المسلمين، وقد قادنا الى حرب لا تنتهي وإن توقفت معاركها العسكرية. ولا أحد يجهل الى أين يمكن أن يقودنا القفز الأخطر من فوق إرادة المسيحيين والسنة والدروز. فالمسألة تتجاوز الإمساك بلعبة الرئاسة الى التلاعب بالجمهورية. والسؤال هو: هل نحن في أزمة نظام صار عبثاً على شعبه أم في أزمة العجز عن إدارة السلطة وبناء الدولة على أسس النظام؟

ليس قليلاً عدد الذين يرون أن النظام الطائفي في لبنان ضعيف ومفلس، سواء كانوا ضده من الأساس لأسباب إيديولوجية أو كانوا معه ويريدون وراثته في وقت ما. لكن الواقع أن النظام، على ما فيه من نواقص وثغرات وما يتم باسمه من سوء سياسات، هو أقوى نظام في الشرق الأوسط. ففي حرب دامت خمسة عشر عاماً تعدّدت وتداخلت وجوهها المحلية والعربية والإقليمية والدولية، وكان بين أطرافها من قاتل واتّكل على السلاح الفلسطيني لإسقاط النظام، سقطت الدولة وعمّ الخراب البلد، وبقي النظام. وفي اتفاق الطائف تبدّلت توازنات داخل النظام من دون أن يتغير النظام.

وجوهر الأزمة اليوم، الى جانب ما قادت إليه من أزمات مالية واقتصادية واجتماعية، هو أن الدستور على الرف والنظام معطل بقوة المستفيدين من الأزمة. وليس أصعب من تفعيل النظام سوى تغييره. فالبديل الطبيعي منه، وهو الدولة المدنية التي رسم طريقها إتفاق الطائف وبالتالي الدستور عبر مسار طويل لتجاوز الطائفية، لم يوضع على جدول الأعمال منذ العام 1990. والبديل اللاطبيعي، وهو الدولة الدينية التي تهيمن عليها طائفة واحدة بقوة الديموغرافيا ووجود مركز إقليمي لمشروع دول دينية في المنطقة، ليس سهلاً. فضلاً عن كونه بطاقة دعوة الى فتنة وحرب أهلية وتدخلات إقليمية ودولية لا أحد يعرف كيف تنتهي.

كان الشهيد مهدي عامل (حسن حمدان) يقول: "إن الشكل الطائفي الذي هو أساس لوجود الدولة اللبنانية كدولة بورجوازية هو العائق الأساسي دون أن تكون هذه الدولة دولة بورجوازية. ولا سبيل للخروج من التناقض المأزقي إلا بالإنتقال الى بنية أخرى". وتلك هي المسألة والمشكلة. فالبنية الأخرى التي تقود الى نظام أفضل ليست ناضجة ولم تتشكل كتلة شعبية تاريخية لإنجاز مشروعها. والبنية الأخرى التي يتصور البعض أنها صارت ناضجة تقود الى نظام أسوأ.

وعلى كثرة الكلام على الميثاق والميثاقية، فإن الوضع اللبناني لا يزال قاصراً عن العمل في الإتجاه الذي رسمه الخبير الدستوري إدمون رباط بالقول: "الميثاق وُجد كوظيفة في خدمة الهدف الدستوري، وعليه أن يؤدي الى الإندماج الوطني الذي يمتص الخصوصيات الدينية والمناطقية ويغذي قيام الحس الوطني المندفع الى إقامة الدولة - الأمة". فما وصلنا إليه في هذه المرحلة هو تشويه الميثاقية وجعل الدستور في خدمتها، وتطويع الدستور والميثاق الوطني لخدمة أهداف سياسية فئوية. وما صرنا نكتفي بطلبه هو مجرد سلطة منصفة وقليلة الفساد نسبياً.

أرسطو علمنا قبل أكثر من ألفي عام أن "التعددية ليست العدد بمقدار ما هي نوعية المتعددين".


MISS 3