بشارة سماحة

حداد في البرازيل والعالم يبكي حزناً على بيليه

"الملك لا يموت"

31 كانون الأول 2022

02 : 01

مات "الملك" بيليه، عبارة رددتها الكرة الأرضية جمعاء، لحظة الاعلان عن وفاة الرجل الذي يعتبر على نطاق واسع أعظم لاعب كرة قدم في كل العصور. مات بيليه عن 82 عاماً، بعدما جعل كرة القدم فنّاً جميلاً، ووصل باللعبة الى آفاق جديدة، مزيّناً مسيرته بالكثير الكثير من الانجازات، لعلّ ابرزها احرازه كأس العالم ثلاث مرات (اللاعب الوحيد في تاريخ المسابقة)، لكنه خسر معركته النهائية مع سرطان القولون. الّا أن الجميع أجمع على أن "الملك لا يموت".

أثارت وفاة بيليه حزناً عميقاً في البرازيل والعالم، وتوافد عشاق "الملك" الى المستشفى حيث كان يعالج، فيما أعلنت البرازيل الحداد ثلاثة ايام، ومدينة سانتوس سبعة أيام.

كما توافد المشجعون لوضع الزهور خارج ملعب نادي سانتوس، حيث قضى بيليه معظم مسيرته الكروية.

كذلك تمت أضاءة تمثال المسيح الفادي الشهير في ريو دي جانيرو باللونين الأصفر والأخضر، وملعب ماراكانا الشهير باللون الذهبي تكريماً لـ"الأعظم في كل العصور".




رسم لبيليه من تنفيذ تلامذة هنود في مومباي (أ ف ب)




مراسم الجنازة

في هذه الأثناء، سافر الصحافيون من جميع أنحاء العالم إلى مدينتي ساو باولو وسانتوس وبلدة بيليه في الجنوب الشرقي، تريس كوراكويس (الثلاثة قلوب)، حيث قام التلفزيون البرازيلي بتقديم تغطية شاملة لوفاته مع شهادات مؤثرة على المستوى الوطني تخللتها لقطات أرشيفية مبهرة من أيام لعبه.

وكتبت ابنته كيلي ناسيمنتو على "انستغرام": "نشكرك. نحبك بلا حدود. ارقد بسلام". وبحسب التقرير الطبي "أكّد مستشفى ألبرت أينشتاين وفاة إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو، بيليه، بسبب فشل أعضاء متعدّدة نتيجة تطوّر مرض السرطان".

وستقام مراسم جنازة مفتوحة للجمهور الاثنين وتستمر 24 ساعة في ملعب سانتوس "أوربانو كالديرا" الذي حمل الوانه طوال مسيرته تقريباً من 1956 إلى 1974. أما مراسم الدفن، فستقام الثلاثاء وستقتصر على حضور أسرته فقط، بعد موكب يتبع التابوت في شوارع سانتوس المدينة الساحلية على بعد 80 كيلومتراً من ساو باولو والتي قررت من جانبها حداداً لسبعة أيام.

أمام مستشفى ساو باولو حيث توفي "الملك"، رفع المشجعون لافتة كتب عليها: "الملك الأبدي بيليه"، وبكى المشجعون ولوحوا بأعلام سانتوس والبرازيل.

كان بيليه من أكثر الرياضيين شهرة، حيث سجل أكثر من 1000 هدف خلال مسيرته الكروية المتألقة، ووضع البرازيل على خريطة العالم على أنها "أرض اللعب الجميل".

اختير بيليه، اللاعب الوحيد المتوّج بكأس العالم ثلاث مرات (1958 و1962 و1970) أفضل رياضي في القرن الماضي من قبل اللجنة الأولمبية الدولية في العام 1999، وبعدها بعام كأفضل لاعب في القرن عينه من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).

تُشكّل وفاته صدمة لعشاق كرة القدم حول العالم، بعد أيام من انتهاء مونديال قطر 2022، حيث ودّعت البرازيل من ربع النهائي أمام كرواتيا بركلات الترجيح.

"أجلبوا الكأس إلى البيت!"، هكذا نشر الحساب الرسمي لبيليه على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم المباراة الأولى للبرازيل أمام صربيا (2-صفر). وطوال البطولة، نشر رسائل تحفيزية لمنتخب البرازيل، ثم هنأ الأرجنتيني ليونيل ميسي على اللقب "المستحق" ضد فرنسا.

"معنا إلى الأبد"

وسارع عالم المستديرة للاشادة بالنجم الراحل، فكتب فيفا "بيليه خالد - معنا إلى الأبد".

بيليه "جعل كرة القدم فنّاً"، كتب على إنستغرام نيمار وريثه في المنتخب البرازيلي، مضيفاً: "قبل بيليه، كانت كرة القدم مجرد رياضة. لقد غيّر بيليه كل شيء، وجعل كرة القدم فناً، منح صوتاً للفقراء ولأصحاب البشرة السوداء وفوق كل شيء: أعطى رؤية للبرازيل".

وبدوره كتب ميسي على "تويتر": "ارقد بسلام".

من ناحيته، أشاد زميل نيمار وميسي في سان جرمان مهاجم فرنسا كيليان مبابي بأسطورة كرة القدم مؤكداً أن "إرثه لن ينسى أبداً".

وحيت الصحف العالمية بيليه وخرجت "أو غلوبو" البرازيلية بعنوان عريض "حداد" على "الملك الأبدي لكرة القدم"، مع صور لبيليه مرتدياً قميص المنتخب البرازيلي أبرزها الصورة الأيقونية حيث يرفع ذراعه اليمنى محمولاً من زميله جيرزينيو.

أما صحيفة "فوليا دي ساو باولو"، فنقلت عن الكاتب البرازيلي كارلوس دراموند اندرادي (1902-1987): "لم يكن من السهل تسجيل ألف هدف مثل بيليه، ما هو صعب كان تسجيل هدف مثل بيليه".

وكتبت "ليكيب" الفرنسية "لقد كان ملكا"، و"بيلد" الالمانية: "بيليه كان أفضل من ميسي، مارادونا، رونالدو مجتمعين".

وحظي بيليه بتكريم عالم السياسة حيث سارع الرئيسان الغريمان المنتهية ولايته جاير بولسونارو والمرتقب خلافته في الاول من كانون الثاني لويز إيناسيو لولا دا سيلفا إلى الإشادة به، فكتب الأول: "حمل اسم البرازيل في جميع أنحاء العالم"، فيما قال الثاني: "لن يكون هناك رقم 10 مثله".

تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن عن "قصة ما هو ممكن"، وغرّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بثلاث كلمات "اللعب. الملك. الخلود". ونوه الرئيس السنغالي ماكي سال بـ"براعته وعبقريته وإنسانيته"، فيما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "رجل رائع، الابن اللامع للشعب البرازيلي".




أسطورتان لا تموتان: بيليه ومارادونا (أ ف ب)


الأعظم

يعتبره كثر أعظم لاعب في كل العصور، ويُعدّ هذا المراوغ الفتاك الذي ساهم بولادة "كرة السامبا" بمثابة "كنز وطني" في البرازيل.

هزّ الشباك بغزارة غير مسبوقة: 1281 هدفاً في 1363 مباراة بألوان نادي سانتوس (1956-1974)، "سيليساو" وفريق نيويورك كوزموس الأميركي (1975-1977).

لكن بعيداً عن الأرقام، تبقى ذكرى بيليه خالدة كـ"ملك" أحدث ثورة في رياضته. خلّد الرقم 10، لكن عن طريق الخطأ. نسيت البرازيل ارسال أرقام لاعبيها إلى الاتحاد الدولي، فتمّ اختيارها بطريقة عشوائية. شاءت الصدف أن ينال بيليه الرقم 10 الذي التصق بتاريخ اللعبة.

كان رائداً في كرة القدم الحديثة، بتقنية استثنائية مقترنة بقدرات رياضية لا مثيل لها، على رغم قامته المتواضعة (1.72 م).

وعلى رغم "جلالته"، كان بيليه عاطفياً، كما يتضح من مشاهد لا تنسى بالأسود والأبيض ليافع بعمر الـ17 يبكي بعدما أحرز أوّل ألقابه العالمية في العام 1958 في السويد.

وفى بوعد قطعه لوالده، بعد ثماني سنوات من رؤيته يبكي أثناء الاستماع على جهاز الراديو إلى خسارة "ماراكانازو" الشهيرة أمام الأوروغواي، التي حرمت البرازيل من أوّل ألقابها العالمية في العام 1950 على أرضها.

في العام 1970، وخلال أوّل بث مباشر لكأس العالم بالألوان، احتفل بيليه بابتسامة مشرقة في ذروة مسيرته، باللقب العالمي الثالث، عندما كان في تشكيلة ذهبية تُعدّ الأكثر موهبة في التاريخ لضمّها أمثال ريفيلينو، توستاو، كارلوس البرتو وجيرزينيو...

استمرت شهرته خارج الملاعب، مع أدوار في السينما، تسجيل أغان وحتى وصوله إلى الحكومة حيث لعب دور وزير الرياضة (1995-1998)، ليصبح أول رجل أسود يصل إلى هذا المنصب في البرازيل.

وخلافاً للمتمرّد الدائم مارادونا، لطالما اعتبر بيليه في البرازيل قريباً من النظام، بما في ذلك الديكتاتورية العسكرية (1964-1985).

بيليه، المعتبر أحياناً متغطرساً ومغروراً وصاحب التصريحات الجدلية، لم يكن معشوق الجماهير في بلده، خلافاً لأبطال لقوا مصيراً مأسوياً مثل لاعب كرة القدم غارينشا وبطل العالم في سباقات الفورمولا واحد أيرتون سينا.


حــــــــداد كــــــــروي



أعلنت رابطتا الدوريين الانكليزي والفرنسي والاتحاد الايطالي لكرة القدم تكريم بيليه بدقيقة صمت وتصفيق قبل انطلاق المباريات.

ومساء امس، تم تكريم بيليه قبل المباراتين الافتتاحيتين للمرحلة الثامنة عشرة من الدوري الانكليزي، بين ليفربول وليستر سيتي، ووست هام يونايتد وبرنتفورد، حيث ارتدى اللاعبون والحكام شارات سوداء وتم التصفيق لمدة دقيقة قبل انطلاق المباراتين.

كما سيتم تجديد التكريم في جميع مباريات المرحلة اليوم وغداً.

وتم عرض صورة بيليه على شاشات الملاعب بالأبيض والأسود، وهي التي التقطت له مع نادي سانتوس يبتسم فيها ويرتدي عقداً مع صليب، قبل مباراة نصف نهائي دورة باريس ضد راسينغ كلوب دو فرانس بملعب "بارك دي برانس" في 13 حزيران 1961.

من جهته، أعلن الاتحاد الإيطالي أنه سيتم الوقوف دقيقة صمت في الملاعب الإيطالية خلال المرحلة السادسة عشرة من دوري الدرجة الأولى التي ستقام يوم الأربعاء 4 كانون الثاني المقبل "إحياءً لذكرى بيليه".

MISS 3