ألبير كامو وتاريخه المثير للجدل!

10 : 21

من كان ألبير كامو فعلياً، ولماذا اختلّ توازنه بسبب حرب الجزائر وجائزة نوبل؟ نظرة على كاتب له تأثير أقوى مما نظن مع جانيف غيران، أستاذ في جامعة السوربون الجديدة في باريس. هو يعرف كل شيء عن كامو وروايته L'Étranger (الغريب). يتكلم في هذه المقابلة عن مصير مُفكّر استثنائي وإرثه للأجيال اللاحقة.


توفي ألبير كامو منذ 60 عاماً. كيف تغيرت النظرة التي نحملها عنه خلال هذه العقود الستة؟
في 4 كانون الثاني 1960، تلاشت أهمية جائزة نوبل في الأدب بالكامل وغاب رجل مزّقته حرب الجزائر. كان يتمتع بهالة كبيرة بين الناس وانتشرت رواياته على نطاق واسع. مع ذلك، كان المسؤولون في السوربون وكبار النقاد في تلك الحقبة ينتقدونه. لقد توفي تزامناً مع انتشار موجة ماركسية وثورية قوية بين شباب العالم. لكنه لم يكن جزءاً من تلك الموجة التقدمية، بل كان يجسّد ما يسمّيه سارتر "اليسار الليّن". بعد مرور 60 عاماً، أطلق التاريخ حكماً جازماً وأثبت أن كامو كان محقاً. شهدت هذه الفترة انهيار الفولغاتا الماركسية. في العمق، كان رجل التمرد (كامو) محقاً أكثر من رجل الثورة (سارتر). ظهرت مقالة تاريخية لجان دانيال في مجلة Le Nouvel Observateur، في نهاية السبعينات، وكانت كفيلة بإنهاء هذا التخبط.

كيف كان تاريخه الشخصي مع الشيوعية؟


وُلد كامو في الجزائر في العام 1913، وقد انتسب في عمر الثانية والعشرين إلى الحزب الشيوعي الجزائري، في العام 1935. اتخذ هذا القرار انطلاقاً من تمسّكه بجذوره، مع أنه لم يكن مقتنعاً بالمبادئ الماركسية. ولم يردعه أستاذ الفلسفة في مدرسة الجزائر الثانوية، جان غرونييه. خاض كامو هذه اللعبة، فجنّد المقاتلين وعقد المؤتمرات. كان يرغب في ضم مقاتلين مسلمين إلى الحزب، وربطته علاقات مع القوميين من أمثال مسالي الحاج. لكن لأسباب تكتيكية، أجبرت "الجبهة الشعبية" الحزب الشيوعي الفرنسي، تحت تأثير موسكو، على تغيير خطّه السياسي فجأةً والانتقال من معاداة الفاشية إلى معاداة الاستعمار. نتيجةً لذلك، تم إقصاء كامو في العام 1937 لأنه لم يوافق على هذا الخط الجديد. كان يدعم رسمياً "التروتسكية"، مع أنه لم يقرأ يوماً أي عبارة لتروتسكي! في هذه المرحلة، لم يعد يتقبّل روحية الحزب والأفكار التقليدية. هذا التوجه أعطاه تفوقاً واضحاً على جميع المفكرين الذين حضروا إلى بودابست (1956) أو حتى براغ (1968) للانفصال عن الحزب.

كيف كانت علاقاته مع الاشتراكيين؟


بعد الحرب مباشرةً، في العام 1945، كان يؤمن بضرورة تجديد الفرع الفرنسي لمنظمة العمال الدولية، تحت رعاية دانيال ماير. عبّر عن هذا الرأي في مقالاته في مجلة "كومبا" التي كان رئيس تحريرها وكاتب افتتاحياتها بين العامَين 1944 و1947. لكن سرعان ما اقتنع بالخط الماركسي والاجتماعي الاستعماري الذي أطلقه غاي موليه. منذ ذلك الحين، قطع كامو علاقاته مع الفرع الفرنسي لمنظمة العمال الدولية.


يبدو موقف ألبير كامو من الجزائر مثيراً للجدل حتى الآن. لماذا؟



لطالما كان وضعه خاصاً، فهو فرنسي مولود في الجزائر وكان جزءاً من المجموعة الفقيرة في هذه الأقلية المدعومة. كان يحلم بـ"العيش المشترك"! لقد استعمل بنفسه هذه العبارة في كتابه Chroniques algériennes (سجلات الجزائر)، فتكلم عن التعايش الأخوي بين الطرفَين. وبما أن المدرسة الجمهورية سمحت له بتجنب مصيره المحتوم، كان يظن أن وضع الجزائريين سيتغير عبر إصلاحات اقتصادية واجتماعية، تحت وصاية المدينة الحاكمة. لكن في العمق، لم يرغب أحد في تحقيق هذه الرؤية المثالية: لم يشأ أقوى المستعمرين سماع أحد يتكلم عن تقاسم الثروات، وكان القوميــون الجزائريون يحلمون بالاستقلال.


ما كان موقفه من حرب الجزائر؟


كان يتفوق على المفكرين الآخرين في هذا المجال لأنه يعرف البلد ويزوره بشكلٍ متكرر. لكن تعلّقت مشكلته بعدم اطلاعه على الجيل الشاب من "جبهة التحرير الوطني"، بقيادة أحمد بن بلة، مع أنه كان يعرف القوميين "القدامى" من حقبة ما قبل الحرب. لهذا السبب، استخفّ بالتطرف الثوري الذي يطبع هذه الجماعة. في 22 كانون الثاني 1956، كان كامو في الجزائر وأعلن دعوته الشهيرة إلى عقد هدنة مدنية. حمل هذا الخطاب طابعاً مُشرّفاً: بعدما كان من أوائل المفكرين الذين أدانوا كارثة هيروشيما، ها هو يطالب بإنقاذ حياة المدنيين والأطفال. أدان أيضاً الإرهاب الأعمى الذي تمارسه "جبهة التحرير الوطني" وأعمال التعذيب بحق الفرنسيين. هذه المقاربة أوصلته لاحقاً إلى العبارة الشهيرة التي يلومه الكثيرون عليها ويمكن اختصارها بالمعادلة التالية: "بين العدالة ووالدتي، أختار والدتي"! قبل التفوه بهذه العبارة، ذكر كامو أن والدته قد تتواجد يوماً في أحد قطارات الجزائر وتقع ضحية اعتداء عشوائي. في النهاية، لم يتجاوب أحد مع دعوته إلى الهدنة. تاريخياً، لم يكن كامو داعياً إلى العنف بشكل عام.


لم يتغير وضعه الشائك حين فاز بجائزة نوبل في العام 1957...


حين سمع كامو بخبر فوزه، قال عفوياً: "كان أندريه مالرو يستحقها"! في الحالات العادية، تُعطى الجائزة إلى كتّاب لديهم تاريخ طويل في مجالهم. لكن كان كامو يبلغ 43 عاماً فقط. عندما حضر الحفل في ستوكهولم ببدلة رسمية وألقى خطابه الشهير حيث شكر أستاذه جيرمان، تغيرت صورته بين نظرائه قليلاً. لكن توقّع الكثيرون أن تسحقه تلك الجائزة. ما الذي يستطيع كتابته بعد فوزه بهذه الجائزة المرموقة التي تلقي بثقلها على مسيرته؟ كان إنتاجه ضعيفاً أصلاً في السنوات السابقة. كامو لا يشبه جاك أوديبيرتي مثلاً، فقد اعتاد هذا الأخير على الجلوس وراء مكتبه والكتابة لساعات عدة يومياً. لذا وجد كامو نفسه أمام خيارَين: العودة إلى المسرح ككاتب ومخرج، أو كتابة سيرته الذاتية عن الجزائر تحديداً. سرعان ما فضّل الخيار الثاني، فبدأ العمل على كتاب Le Premier Homme (الرجل الأول)، تلك الرواية العظيمة التي لم يستكملها ولم تُنشَر قبل العام 1994.


في العام 2009، طالب نيكولا ساركوزي بنقل رفات ألبير كامو إلى مقبرة العظماء (البانثيون)، لكن سُحِب هذا المشروع في نهاية المطاف. هل هي فكرة صائبة؟


في العام 1970، رفضت عائلة شارل ديغول نقل رفات الجنرال إلى مقبرة العظماء لأنه كان يرغب في دفنه في "كولومبي". لكن أراد كامو أن يتم دفنه في بلدة "لورمارين" حيث اشترى منزلاً له بالشيك الذي تلقاه من جائزة نوبل. ما الداعي إذاً لحرمانه من هذه البقعة المتوسطية المضيئة التي أحبّها دوماً لحبسه في سرداب رطب للعظماء؟


MISS 3