أنطونيا خيمينيز... إمرأة إستثنائية في عالم الفلامنكو الذّكوري

10 : 33

منذ سن الطفولة، تُمسك الأندلوسية أنطونيا خيمينيز غيتار الفلامنكو بين ذراعيها بشغف... فهذه الآلة تشكّل لها أداة للحرية وتحطّم من خلالها حواجز عالم محترف يحتكره الذكور.

ولدت أنطونيا في العام 1972 في بويرتو دي سانتا ماريا في مقاطعة كاديكس التي تعدّ معقل الفلامنكو في جنوب إسبانيا، علماً أنها لا تنتمي إلى عائلة غجرية لكنها نشأت مع الغجر.

تتذكّر أنطونيا تلك المرحلة من حياتها وتقول: "لقد عشنا جمعياً معاً، كلّنا على قدم المساواة، وكلنا فقراء".

في عائلتها الأندلوسية، لا يعير أحد أي قيمة للفنّ. والدها سائق حافلة ووالدتها تهتم بأربعة أولاد، وهم جميعاً لم يهتموا يوماً بشغفها بغيتار الفلامنكو. تقول الشابة الخجولة والحزن واضح عليها "كان عليّ أن أبدي عزماً شديداً وإصراراً".

في سنّ الثالثة، تمسّكت الفتاة الصغرى في العائلة بغيتار صغير في السوق، إلى أن اشترته لها والدتها. ومن حينها أصبح لعبتها المفضّلة.

لاحقاً، طلبت غيتاراً حقيقياً من المجوس الثلاثة الذين يؤدون دور بابا نويل في توزيع الهدايا في إسبانيا، لكنها لم تحصل سوى على دمية، فقامت بتكسيرها قبل أن تحصل في اليوم التالي على آلتها المطلوبة.

لم تترك الفتاة الآلة الموسيقية من يديها وتعلّمت العزف بنفسها من خلال مراقبة عازفي الغيتار على التلفزيون وتقليدهم ولا سيّما باكو دي لوشيا (1947-2014) أحد كبار عازفي الفلامنكو. في سنّ الثالثة عشرة، تابعت خيمينيز الدروس التقليدية وشاركت عزفاً في صفوف تعليم رقص الفلامنكو لتحصل على أول أجر لها، وهو ما شكّل ضمانة لاستقلاليتها، خصوصاً أن المراهقة كانت تملك "رغبة مجنونة بالفرار والتجوال حول العالم".

لقد أصبح غيتار الفلامنكو "آلة الحرية" بالنسبة إليها، إذ سمح لها بالسفر منذ سن الثامنة عشرة وطوال عقد. زارت خيمينيز النروج وهولندا مروراً بلندن ووصولاً إلى اليابان التي استقرّت فيها لحوالى عام كامل وباتت محترفة.

في العام 2000، انتقلت الفنانة الأندلوسية إلى مدريد حيث التقت بـ"جيل من الفنانين الشباب الموهوبين والمتحمّسين" في عالم رقص الفلامنكو، مثل ماركو فلوريس وأولغا بيريسه.

هناك حصلت على فرصتها بعد أن وثقوا بها وأعطوها مساحة في عروضهم. في الواقع، عاملها مصمّمو الرقص بمساواة مع المغنيات مثل كارمن ليناريس وروسيو ماركيز.

وعند سؤالها عن التمييز الذي تعرّضت له كونها عازفة غيتار أنثى، ردّت ضاحكة "لقد سمعت الكثير من التفاهات، لكنني فضّلت رميها ورائي ونسيانها".عارض المنتجون إختيار المرأة الوحيدة من بين مئات العازفين الذكور خصوصاً أن عالم الفلامنكو يضمّ الكثير من النساء الراقصات والمغنيات، لكن ليس عازفات الغيتار. تشير أنطونيا إلى أنها كسرت "حاجزاً مهماً بالدخول إلى عالم مهني يحتكره الرجال ويتّسم بالمنافسة الشديدة"، خصوصاً في الحانات وصالات الفلامنكو الخاصة التي تعدّ ممرّات رئيسية للارتجال وبالتالي كسر الاحتكار.

يعدّ العزف على غيتار الفلامنكو جزءاً من "النضال الأساسي لتحصيل حقوق النساء"، لا سيّما في إسبانيا التي "فقدت فيها النساء حوالى 40 عاماً من التطوّر خلال فترة نظام فرانكو الديكتاتورية التي امتدّت بين العامين 1939 و1975".

ورغم ذلك، تفضّل الفنانة الشابة أن يتعلّق الجمهور والمهنيون بأدائها الفني بدلاً من متابعتها لكونها امرأة فقط، خصوصاً أنها قادرة على العزف لأكثر من 15 ساعة يومياً. وتشير الفنانة الشغوفة بالتأليف الموسيقي إلى حبّها للـ"تانغييّو" وهو إيقاع شمال إفريقي اعتادت على سماعه في صغرها.

والأسبوع الماضي، شاركت عازفة الغيتار للمرّة الأولى في مهرجان الفلامنكو في نيم الذي يعدّ من الأحداث الموسيقية الرئيسية في فرنسا، حيث أبدعت في العزف وأبهرت الجمهور.

في العام 2020، وبعمر السابعة والأربعين وبنجاح متزايد، واجهت أنطونيا خيمينيز تحدّيين: إصدار ألبوم والاستمرار بإيصال أصوات النساء الشابات عازفات الفلامنكو. 


MISS 3