السكّر يُغيّر كيمياء الدماغ بعد 12 يوماً فقط!

11 : 46

يكشف بحث جديد أن استهلاك السكر يغيّر الدائرة الدماغية المرتبطة بالمكافآت بقدر ما تفعل المخدرات المُسببة للإدمان!

حين نتلقى معلومة جديدة أو نعيش تجربة ممتعة، ينشط نظام المكافأة في الدماغ. وبفضل عناصر كيماوية طبيعية، تتواصل مناطق دماغية متعددة في ما بينها لمساعدتنا على تعلم وتكرار السلوكيات التي تُحسّن معارفنا وراحتنا.

يتكل نظام المكافأة بشدة على ناقل الدوبامين العصبي ويسهم في تفسير مجموعة واسعة من التجارب البشرية، على غرار الوقوع في الحب، والمتعة الجنسية، والاستمتاع بالوقت مع الأصدقاء.

لكن تسيطر مواد معينة على نظام المكافأة في الدماغ، لا سيما المخدرات، فتُنشّطه "اصطناعياً". يبدو أن إبلاغ الدماغ بتكرار السلوك الممتع باستمرار هو الآلية الكامنة وراء ظاهرة الإدمان.

استعمل العالِم الأميركي ثيرون راندولف مصطلح "إدمان الطعام" خلال فترة الخمسينات لوصف الميل القهري إلى استهلاك مأكولات معينة، مثل الحليب والبيض والبطاطا.

منذ ذلك الحين، تطرح الدراسات التي تستكشف هذا المفهوم نتائج مختلطة، ويعتبر بعض الخبراء أن التكلم عن إدمان الطعام مبالغ فيه.

يسلّط البحث الجديد الضوء على هذا الموضوع. يحلل مايكل وينتردال، أستاذ مساعد في قسم الطب العيادي في جامعة "أرهوس" في الدنمارك، أثر استهلاك السكر على الدوائر الدماغية المرتبطة بالمكافأة لدى نماذج من الخنازير. نشر الباحثون نتائجهم في مجلة "التقارير العلمية".حلل العلماء آثار السكر لدى سبعة من إناث الخنازير الصغيرة من فصيلة "غوتنغن"، واستعملوا تقنيات متطورة من نوع التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني مع منبهات مستقبلات المواد الأفيونية ومضادات مستقبلات الدوبامين لتقييم أنظمة المكافأة في أدمغة الحيوانات.سمح الباحثون للخنازير الصغيرة بالحصول على محلول السكروز طوال ساعة، على مر 12 يوماً متلاحقة، ثم أخضعوها للفحص بعد 24 ساعة على آخر جرعة سكر. في مجموعة فرعية من خمسة خنازير، استعمل الباحثون جلسة إضافية من التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني بعد تلقي أول جرعة من السكر.

يوضح وينتردال: "بعد 12 يوماً فقط على استهلاك السكر، لاحظنا تغيرات بارزة في أنظمة الدوبامين والمواد الأفيونية في الدماغ. نظام المواد الأفيونية هو جزء من كيمياء الدماغ المرتبطة بمشاعر الراحة والمتعة، ولوحظ أنه كان ناشطاً أصلاً بعد تلقي الجرعة الأولى. برزت التغيرات على وجه التحديد في مناطق المخطط، والنواة المتكئة، والمهاد، واللوزة الدماغية، والقشرة الحزامية، والقشرة الجبهية".

توحي هذه النتائج، برأي الباحثين، بأن المأكولات الغنية بالسكروز تؤثر على دائرة المكافأة في الدماغ، بما يشبه أثر استهلاك المخدرات المُسببة للإدمان.

يضيف وينتردال: "هذه النتائج تتعارض مع توقعاتي الأولية. لا شك في أن السكر يعطي آثاراً فيزيولوجية كثيرة، وتتعدد الأسباب التي تجعله غير صحي. لكني كنت أشكك بأثر السكر على الدماغ والسلوكيات، وأردتُ أن أثبت أن هذه الفكرة الشائعة خاطئة. ترافق استهلاك السكر إذاً مع عدد من مظاهر الإدمان. لكن إذا كان السكر يستطيع تغيير نظام المكافأة في الدماغ بعد 12 يوماً فقط، كما حصل في التجربة على الخنازير، يسهل أن نفترض أن الحوافز الطبيعية، على غرار التعلم أو التفاعل الاجتماعي، تندفع إلى خلفية الدماغ كي يستقر مكانها السكر و/أو حوافز "اصطناعية" أخرى. نبحث جميعاً عن الاندفاع الذي يعطيه الدوبامين، ولا نتردد في اختيار أي عنصر يضمن شعورنا بالتحسن أو زيادة طاقتنا".


نماذج الخنازير مناسبة؟


اختار الباحثون الخنازير الصغيرة في تجربتهم لتحليل آثار السكر على الدماغ لأن الدراسات السابقة استعملت الفئران. يقول وينتردال: "حتى لو كانت هذه القوارض تميل إلى استهلاك السكر، تبقى آلياتها الاستتبابية، التي تسهم في تنظيم اكتساب الوزن والأيض، مختلفة بشدة عن آليات البشر. من الأفضل طبعاً أن تحصل هذه الدراسات على البشر، لكن يصعب التحكم بهم وقد تتغير مستويات الدوبامين لديهم نتيجة عوامل مختلفة. هي تتأثر بما نأكله وبتجارب مثل الألعاب على الهاتف أو إقامة علاقة رومانسية جديدة في منتصف التجربة. في هذه الحالات، قد تتغير البيانات بدرجة كبيرة. الخنزير بديل مناسب عن البشر لأن دماغه يكون أكثر تعقيداً من القوارض وكبيراً بما يكفي لتصوير البنى الدماغية العميقة باستعمال تقنيات مسح الدماغ البشري".


MISS 3