لين أودونيل

مظاهر كراهية النساء تتصدّر عناوين الصحف، لكنّ أحداً لا يلاحظ نهب المساعدات المالية الدولية

"طالبان" تسيء استعمال المساعدات الغربية

12 كانون الثاني 2023

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

شحنة من المساعدات الإنسانية مخصّصة لأفغانستان في مطار البحرين الدولي | 4 أيلول 2021

يتصدر تعامل حركة "طالبان" الصادم مع الفتيات والنساء في أفغانستان عناوين الصحف العالمية منذ أن استرجع الإسلاميون السلطة وبدؤوا يعيدون الزمن إلى آخر مرة سيطروا فيها على البلد. فيما تتوسع موجة الغضب من أحدث الانتهاكات حول العالم، قد تخفي كراهيتهم المتطرفة للنساء سوء استعمالهم لمساعدات مالية تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات وتهدف في الأساس إلى تخفيف المعاناة البشرية المريعة.



تصل عشرات ملايين الدولارات إلى كابول أسبوعياً من الولايات المتحدة والأمم المتحدة لتوزيعها في أنحاء البلد، بعدما بدأت الكوارث الإنسانية تضيّق الخناق على أفغانستان مع اقتراب الشتاء. لكن تذكر مصادر من داخل البلد وخارجه أن جزءاً كبيراً من تلك الأموال لا يصل إلى من يحتاجون إليه، بل تسرق "طالبان" كميات غير محددة منها وتستعملها لأغراضها الخاصة، فتحافظ على ولاء مناصريها عبر منحهم الأغذية والأموال النقدية وتمويل عمليات خاصة يقوم بها كبار القادة. وبحسب مصادر في القطاع الأمني والجمعيات الخيرية، تستعمل "طالبان" نظام تحويل الأموال غير الرسمي للاستفادة من نقص الدولار عالمياً.

بدأت هذه المزاعم تؤجج المخاوف من إصرار "طالبان" على المشاركة في الجرائم المنظمة، علماً أنها كانت تسيطر طوال عقود على إنتاج وتوريد الهيروين حول العالم. يتم إيداع الأموال النقدية في البنك المركزي الذي تسيطر عليه "طالبان" وفي بنك أفغانستان الدولي المملوك من القطاع الخاص، حيث تحتفظ وكالات الأمم المتحدة بحساباتها. في غضون ذلك، لا أحد يراقب وجهة الأموال النهائية أو يحاسب المرتكبين.

بعد عودة "طالبان" إلى السلطة في آب 2021، تدهورت ظروف الشعب الذي يُعتبر أصلاً من أفقر شعوب العالم ويصل عدد سكانه إلى 40 مليون نسمة تقريباً. تعني العقوبات الدولية المفروضة على القطاع المالي أن أصحاب الحسابات المصرفية يعجزون عن الوصول إلى مدخراتهم. ويعني نقص الأموال النقدية عدم وجود سيولة كافية للقيام بأبسط المعاملات مثل شراء الخبز. لهذا السبب، قدّمت الولايات المتحدة والأمم المتحدة مليارات الدولارات لمنع المجاعة الجماعية، تزامناً مع توبيخ "طالبان" على وحشيتها تجاه النساء وجماعات أخرى.

أطلقت الأمم المتحدة أكبر نداء في كانون الثاني 2022 لتأمين 4.4 مليارات دولار، وجمعت للتو 4.6 مليارات دولار للعام 2023. يهدف جزء كبير من هذا المبلغ إلى تغطية نفقات الهيئة الدولية. تجدر الإشارة إلى أن المساعدات الأميركية الثنائية إلى أفغانستان منذ سقوط الجمهورية وصلت إلى 1.1 مليار دولار بحلول شهر أيلول.

لكن أدى غياب المساءلة بشأن وجهة الأموال إلى تأجيج المخاوف داخل البلد وخارجه من احتمال أن تستعمل "طالبان" أموال دافعي الضرائب الأميركيين لتمويل نشاطاتها الإجرامية العالمية ودعم الأنظمة الخاضعة للعقوبات، مثل روسيا وإيران، وجهات أخرى ساعدتها على الوصول إلى السلطة، من خلال دفع كلفة واردات الوقود والأغذية والطاقة بعملة الدولار. تعني العقوبات الدولية المفروضة على النظام المصرفي أن التحول المالي يجب أن يمر بشبكة مزوّدي الخدمات المالية: يتعرض هذا النظام غير الرسمي لانتقادات متكررة بسبب افتقاره للشفافية بشأن مصدر الأموال المتنقلة حول العالم ووجهتها، علماً أن المبالغ المالية المتداولة تكون ضخمة في معظم الأوقات. فرضت الحكومة السابقة تنظيمات معينة، تحت الضغوط الدولية، فقد قيل إن جزءاً كبيراً من التحويلات المالية في أفغانستان كان يُسهّل حركة الأموال المشتقة من تجارة المخدرات ونشاطات غير شرعية أخرى. لكن بعد استرجاع "طالبان" سيطرتها على البلد، لا يمكن تحديد مصدر الأموال التي يستعملها الصرافون أو وجهتها.

يقول رئيس سوق "سراي شهزاده" للصيرفة في كابول، محمد ميرزا كاتوازي، إن المبالغ التي تمر بنظام التحويلات غير الرسمي تتراوح بين 12 و13 مليون دولار أسبوعياً، وهي تُستعمل لدفع كلفة السلع المستوردة وتمويل برامج المساعدات على المستوى الوطني. هو يعتبر "طالبان" أقل فساداً من الجمهورية التي كانت الولايات المتحدة تدعمها، فقد أقدم المسؤولون وأعوانهم في عهدها على سرقة مليارات الدولارات، وفق المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان.

في ظل تصاعد التحديات، بدءاً من الانهيار الاقتصادي والفقر والمجاعة، وصولاً إلى زيادة جرأة المعارضة المسلّحة، تملك "طالبان" سبباً وجيهاً لاستعمال المساعدات لترسيخ سلطتها. يقول ضابط عسكري واستخباري أفغاني سابق (رفض الإفصاح عن اسمه) إن قادة "طالبان" يستعيدون المساعدات الغذائية والأموال النقدية التي تم توزيعها تحت إشراف الأمم المتحدة في بعض الأماكن ويوزعونها على عائلاتهم ومناصريهم. وفي مناطق أخرى، يقول الضابط نفسه ومصدر آخر في جمعية خيرية أفغانية إن "طالبان" تسيطر على قوائم التوزيع أيضاً.

يضيف الضابط السابق: "طالبان هي التي تراقب الأموال وتديرها، وتُحدد وجهتها، والمستفيدين منها، والمناطق التي تصل إليها. لا يملك الناس أي خيار. تفتقر "طالبان" إلى الدعم، لا سيما في بيئات جماعات الهزارة والطاجيك، في محافظتَي غور وبادغيس، ومناطق بعيدة أخرى. العاملون مع الأمم المتحدة أفغان، لكنهم لا يملكون صلاحية الاعتراض على ما يحصل لأنهم يواجهون مع عائلاتهم المخاطر وممارسات الترهيب. ولا أحد يأتي للتحقق من الوضع لاحقاً". في مناطق أخرى، مثل المحافظات الجنوبية التي يطغى عليها البشتون السُّنة (يتشاركون الانتماء نفسه مع أعضاء "طالبان")، تصل المساعدات مباشرةً إلى عائلات "طالبان" ومناصريها.

يظن جزء كبير من الأفغان أن استمرار تدفق الأموال النقدية يزيد قوة "طالبان" التي تتابع السعي إلى ترسيخ سلطتها. استغلت هذه الحركة، بقيادة متعصبين متدينين وإرهابيين خاضعين للعقوبات، وجود تنظيم "الدولة الإسلامية" في أفغانستان لتلقي الأموال النقدية والتعاون مع إدارة جو بايدن في مجال مكافحة الإرهاب. لا يزال تنظيم "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان"، وهو الفرع المحلي لـ"داعش"، يطرح تهديداً كبيراً على استقلالية "طالبان"، لذا يحاول المعنيون منع الانشقاقات وسط قادة القواعد الشعبية والمناصرين الذين يشعرون بالخيبة من ممارسات وإخفاقات قادة البلد الجدد.

تستمر سرقة المساعدات من دون أن يلاحظها أحد، بينما تجذب الانتهاكات التي تُعرَف بها "طالبان" انتباه الجميع. بدأت "طالبان" تقمع حقوق المرأة منذ عودتها إلى السلطة، فخالفت بذلك الآراء القائلة إن الحركة لم تعد تعادي النساء كما فعلت حين حكمت البلد بين العامين 1996 و2001. لكنّ النسخة الجديدة من "طالبان" أرسلت النساء من العمل إلى المنازل، وأجبرتهنّ على تغطية أنفسهنّ، من الرأس إلى أخمص القدمين، ومنعت الفتيات من الذهاب إلى المدارس الثانوية. لم يكن الإعلان عن منع النساء من دخول الجامعات هذا الشهر مفاجئاً إذاً، ولا المرسوم الذي صدر بعد أيام لإجبار المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية على طرد جميع الموظفات.

علّقت بعض المنظمات غير الحكومية عملياتها في أفغانستان، منها المجلس النرويجي للاجئين ومنظمة "كير" الدولية، على اعتبار أنها لا تستطيع بلوغ من يحتاجون إلى المساعدة من دون مشاركة النساء. كذلك، عبّر مجلس الأمن عن "قلقه الشديد" من الوضع ودعا أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى عكس هذه القيود. لكن اعتبر رئيس جمعية خيرية محلية تعليق العمل بهذه الطريقة المحدودة خطوة فارغة المضمون، فهي لن تعطي مفعولها برأيه إلا إذا طبّقت المنظمات غير الحكومية هذه الخطوة بالإجماع، وهو أمر لن يحصل في هذا البلد.

ثم أضاف من دون الإفصاح عن اسمه حفاظاً على سلامته: "طرد النساء قرار سياسي محض، وهو يتطلب معارضة سياسية. لا يمكننا أن نردّ على قرار سياسي بالطرق الإنسانية. حان الوقت كي يتدخل المجتمع الدولي ويتخذ تدابير عملية، مثل وقف إرسال 40 مليون دولار أسبوعياً أو إنشاء آليات لمساعدته على تعقب أمواله".

برأي ناشط سياسي أفغاني يتعامل مع قيادة "طالبان"، لن يحصل أي تغيير حقيقي من دون فرض عواقب محددة. من الواضح أن الانتهاكات التي تتصدر العناوين تغطي على سرقة المساعدات المالية الإنسانية، وزيادة إنتاج الهيروين ومخدرات أخرى، واستمرار العلاقات مع جماعات إرهابية مثل "القاعدة": "لا أحد يعارض هذه القواعد المفروضة على النساء. هذا كل ما تريده "طالبان"، بما في ذلك قادة مثل وزير الداخلية سراج الدين حقاني الذي يفضّل الأميركيون اعتباره معتدلاً يسيطر عليه المحافظون".

برأي هذا الناشط، يجب أن تحذو الولايات المتحدة حذو كندا وتصنّف "طالبان" كمنظمة إرهابية، بدل معاقبة الأفراد، وتمنع أعضاء الحركة من السفر والمشاركة في المؤسسات الدولية، وتوقف المعاملات المالية الحكومية. لا شيء سيتغير من دون التحرك ضدهم.