رفيق خوري

التحايل على الأزمة: البندقية وسلة الشحادة

29 كانون الثاني 2020

01 : 55

كما في الشارع كذلك في الدواوين: قواعد اللعبة ثابتة. "الإنتفاضة فن" حسب ماركس. و"السياسة فن لا علم" كما يقول البروفسور في هارڤارد جوزف ناي. لكن اللعبة في إتجاهين مختلفين. فن الإنتفاضة في الشارع يمارسه ويبدع فيه منذ أشهر جيل لبناني جديد جاء وقته لبناء لبنان جديد. وفن السياسة في الدواوين كان ولا يزال عند أهله بأجيالهم المتعاقبة والمتوارثة في لبنان نوعاً من التحايل على الأزمات تحت شعار التسويات هرباً من الحلول.

وإذا كان هناك من يراهن على الإنتفاضة كمسار ثوري طويل ومن يناقش في مصيرها، فإن الكل يرى أن سياسة التحايل على الأزمات أوصلتنا إلى أزمة عميقة صارت أكبر من السلطة والمعارضة. والأكبر منها هي الأزمة البنيوية في النظام والتي ليست ولم تكن يوماً على جدول الأعمال في السياسة. فما يدور حوله البحث حالياً، هو عملياً إجراءات لمرحلة تنفُس، بحيث يبقى رأس البلد فوق سطح المياه في محيط الأزمة. والباقي أحلام وشعارات كبيرة.

وليس لدى الحكومة الجديدة بالطبع برنامج جاهز وملموس للإصلاح. فما كان لرئيسها الدكتور حسان دياب والأعضاء فرصة تسمح بالإستعداد والجهوزية لمهام حقائبهم. وبعضهم ربما فوجئ بتوزيره أو بالحقيبة التي أسندت إليه. والخوف هو من أن يكون ما يطلبه منها الذين جاؤوا بها أن تمارس سياسة التحايل على النفس والثورة والأزمة والمجتمع الدولي. لكن ذلك صار مهمة مستحيلة. فالثوار صوتوا بأقدامهم: لا ثقة. والمجتمع الدولي الذي كان من الطبيعي أن يرحب بتشكيل حكومة لم يتردد في ربط المساعدات بالإصلاحات سلفاً.

والتعابير والتوصيفات كانت موحدة تقريباً بين أميركا وفرنسا والأمم المتحدة وكل المجموعة الدولية لدعم لبنان: "إصلاحات عميقة وطموحة وضرورية وذات صدقية تستجيب لتطلعات اللبنانيين التي عبروا عنها منذ 17 تشرين أول، وسياسة ملموسة للنأي بالنفس عن الصراعات الخارجية". والمعنى البسيط لذلك هو العودة من نظام "كليبتوكراسي" وفساد إلى الشفافية في نظام ديموقراطي. وهو أيضاً أن لبنان لا يستطيع أن يحمل البندقية في يد وسلة الشحادة في يد.

حين تولى دزرائيلي رئاسة الحكومة البريطانية سألت الملكة فيكتوريا اللورد داربي عنه، فقال: "مشكلته أن عليه صنع موقعه. ولذلك يقول ويفعل ما لا حاجة إلى قوله وفعله بالنسبة إلى الذين مواقعهم جاهزة". وما نأمل فيه هو ألا ينطبق "حكم" اللورد داربي على أعضاء الحكومة الجديدة الذين يحتاجون إلى صنع المواقع.