ردود فعل عربيّة ودوليّة متفاوتة على خطّة السلام الأميركيّة

ترامب يُعلن "صفقة القرن"... وعباس: ستذهب إلى مزبلة التاريخ!

10 : 34

ترامب خلال إعلان خطّة السلام وإلى جانبه نتنياهو في البيت الأبيض أمس (أ ف ب)

بينما كان العالم يحبس أنفاسه مترقّباً إعلان "صفقة القرن" التي باتت على أكثر من لسان في المنطقة منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركيّة، كشف الرئيس الجمهوري بالأمس خطّة للسلام في الشرق الأوسط تقترح "حلاً واقعيّاً بدولتَيْن"، فيما رحّب رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو بالخطّة ووصفها بأنّها تاريخيّة، أمّا الرئيس الفلسطيني محمود عباس فقد اعتبر أنّ الصفقة "لن تمرّ وستذهب إلى مزبلة التاريخ كما ذهبت مشاريع التآمر في هذه المنطقة".

وبعد أكثر من سنتَيْن من العمل بتكتّم وتأجيل إعلان الخطّة مراراً، قال ترامب وبجانبه نتنياهو إنّ "الفلسطينيين يستحقون حياة أفضل بكثير". وأضاف عارضاً الخطّة التي تتألّف من 80 صفحة واعتبرها "الأكثر تفصيلاً" على الإطلاق، أن الدولة الفلسطينيّة المستقبليّة "لن تقوم إلّا وفقاً لشروط عدّة"، بما في ذلك "الرفض الصريح للإرهاب". واقترح أن تكون هناك "عاصمة فلسطينيّة في القدس الشرقيّة"، لكنّه أشار إلى أن واشنطن "مستعدّة للاعتراف بالسيادة الإسرائيليّة على أراض محتلّة"، لم يُحدّدها.

وأوضح ترامب بحضور سفراء سلطنة عُمان والإمارات والبحرين، أنّه وجّه رسالة للرئيس الفلسطيني في شأن خطّة السلام، مشدّداً على أن القدس ستبقى "عاصمة إسرائيل غير القابلة للتجزئة"، مؤكداً في الوقت عينه أن الدولة الفلسطينيّة المقبلة ستكون "متّصلة" الأراضي. وفي إطار عرض خطّته اقترح ترامب تجميد البناء الاستيطاني الإسرائيلي لأربع سنوات في المنطقة المقترحة للدولة الفلسطينيّة، ووصف خطّته بأنّها "فرصة تاريخيّة" للفلسطينيين كي يحصلوا على دولة مستقلّة، مضيفاً: "قد تكون هذه آخر فرصة يحصلون عليها".


عباس معلناً رفضه لـ"صفقة القرن" في رام الله أمس (أ ف ب)



ورأى أن "الفلسطينيين يعيشون في الفقر ويُعانون من العنف، ويتمّ استغلالهم من قبل من يسعون إلى استخدامهم كبيادق لنشر الإرهاب والتطرّف"، موضحاً أن رؤيته ستوفّر للفلسطينيين دعماً مادياً عن طريق الاستثمارات يصل إلى 50 مليار دولار، وهو ما سيضع "نهاية لاعتماد الفلسطينيين على المؤسّسات الخيريّة والمعونة الأجنبيّة".

وعلى الإثر، أعلن نتانياهو أن واشنطن ستعترف بالمستوطنات كجزء من إسرائيل. وأضاف أنّه لن يكون للاجئين الفلسطينيين الحق بالعودة إلى إسرائيل، بموجب خطّة ترامب. وأكد أنّه مستعدّ للتفاوض مع الفلسطينيين حول "مسارٍ نحو دولة مستقبلاً"، لكنّه اشترط في المقابل أن يعترفوا بإسرائيل كـ"دولة يهوديّة"، مشدّداً على أن المشروع الأميركي سيمنح إسرائيل السيادة على غور الأردن. وتابع من البيت الأبيض: "خطط كثيرة مارست ضغوطاً على إسرائيل للانسحاب من أراضٍ حيويّة مثل غور الأردن. لكن أنتم، سيّدي الرئيس، تعترفون بأنّه يجب أن يكون لإسرائيل سيادة على غور الأردن وعلى مناطق استراتيجيّة أخرى في يهودا والسامرة (الضفة الغربيّة)"، معتبراً أن إسرائيل "يجب أن تحظى بالسيادة على مناطق تُتيح لها الدفاع عن نفسها".

وقال متوجّهاً إلى ترامب: "في هذا اليوم، أعطيتم الإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة مستقبلاً مشرقاً عبر تقديمكم مساراً واقعياً نحو سلام دائم"، في حين أعلن متحدّث باسم نتنياهو أنّ الأخير سيتوجّه إلى موسكو اليوم لاطلاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تفاصيل الخطّة الأميركيّة. كما صرّح مسؤولون إسرائيليّون لوكالة "فرانس برس" بأنّ نتنياهو سيطلب من وزرائه الأحد الموافقة على ضمّ إسرائيل أجزاء من الضفة الغربيّة.

ونشر البيت الأبيض خارطة للحدود المقترحة للدولتَيْن الإسرائيليّة والفلسطينيّة تُظهر 15 مستوطنة في منطقة الضفة الغربيّة المتّصلة بقطاع غزة بواسطة نفق، تماشياً لوعد أطلقه ترامب بإقامة دولة فلسطينيّة متّصلة الأراضي. وكشف البيت الأبيض في بيان للرئاسة الأميركيّة أن "الرؤية تنصّ على دولة فلسطينيّة منزوعة السلاح تعيش بسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل، وتولي إسرائيل مسؤوليّة الأمن في منطقة غرب نهر الأردن، فيما قال السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان إنّ إسرائيل يُمكنها ضمّ مستوطنات الضفة الغربيّة "في أي وقت".وفي أوّل ردّ فعل له، اعتبر الرئيس الفلسطيني عقب اجتماع القيادة الفلسطينيّة أن "مخطّطات تصفية القضيّة الفلسطينيّة إلى فشل وزوال، ولن تُسقط حقّاً ولن تُنشئ التزاماً... سنُعيد هذه الصفعة صفعات في المستقبل"، مؤكداً أن "القدس ليست للبيع، وكلّ حقوقنا ليست للبيع والمساومة، وصفقة المؤامرة لن تمرّ، وسيذهب بها شعبنا إلى مزابل التاريخ كما ذهبت كلّ مشاريع التصفية والتآمر على قضيّتنا العادلة". وقال عباس إنّه "يكفي أن الخطّة اعتبرت القدس عاصمة لإسرائيل، أمّا الباقي فهو جديد ومهمّ، لكن أوّل القصيدة كُفر"، متسائلاً: "إذا كانت القدس ليست عاصمة للدولة الفلسطينيّة فكيف سنقبل بذلك؟ مستحيل أي طفل عربي مسلم أو مسيحي أن يقبل بذلك". كما رفضت حركتَيْ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الخطّة الأميركيّة، فيما أعلن "الهلال الأحمر الفلسطيني" إصابة 22 فلسطينيّاً في الضفة الغربيّة خلال التظاهرات والمواجهات مع القوّات الإسرائيليّة التي استخدمت قنابل الغاز المسيّل للدموع لتفريق الحشود الغاضبة.



خريطة نشرها ترامب عبر "تويتر" كاتباً فوقها باللغة العربيّة: "هذا ما قد تبدو عليه دولة فلسطين المستقبليّة بعاصمة في أجزاء من القدس الشرقيّة"



مواقف عربيّة ودوليّة


وفي ردود الفعل العربيّة، أكدت الخارجيّة الأردنيّة في بيان أن إقامة دولة فلسطينيّة عاصمتها القدس الشرقيّة وفق حلّ الدولتَيْن وعلى خطوط الرابع من حزيران 1967 "سبيل وحيد لتحقيق السلام الشامل والدائم"، بينما انتقد رئيس مجلس النوّاب الأردني عاطف الطراونة خطّة ترامب "المشؤومة" للسلام، واعتبر إعلانها "يوماً أسود" للقضيّة الفلسطينيّة، في وقت تظاهر مئات الأردنيين أمام السفارة الأميركيّة في عمّان بالتزامن مع اعلان ترامب خطّته رفضاً لها.

من جهتها، دعت مصر فلسطين وإسرائيل إلى "دراسة متأنية" لخطّة السلام الأميركيّة. وقالت الخارجيّة المصريّة في بيان: "تدعو مصر الطرفَيْن المعنيَّيْن بالدراسة المتأنية للرؤية الأميركيّة لتحقيق السلام، والوقوف على كافة أبعادها، وفتح قنوات الحوار لاستئناف المفاوضات برعاية أميركيّة، لطرح رؤية الطرفَيْن إزاءها". وترى مصر في بيان الوزارة "أهمّية النظر لمبادرة الإدارة الأميركيّة من منطلق أهمّية التوصّل إلى تسوية القضيّة الفلسطينيّة بما يُعيد للشعب الفلسطيني كامل حقوقه... وفقاً للشرعيّة الدوليّة ومقرّراتها". وتعقد جامعة الدول العربيّة اجتماعاً طارئاً، السبت في القاهرة، على مستوى وزراء الخارجيّة وبحضور الرئيس الفلسطيني لمناقشة خطّة السلام.

خليجيّاً، أجرى العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز اتصالاً هاتفياً بالرئيس الفلسطيني، بحيث أكد الملك موقف المملكة الثابت من القضيّة الفلسطينيّة وحقوق الشعب الفلسطيني ووقوفها إلى جانبه ودعمها لخياراته وما يُحقق آماله وتطلّعاته، في حين جدّدت الخارجيّة السعوديّة تأكيد دعمها لكافة الجهود الرامية للوصول إلى حلّ عادل وشامل للقضيّة الفلسطينيّة. وجاء في بيان الخارجيّة: "تُقدّر المملكة الجهود التي تقوم بها إدارة الرئيس ترامب لتطوير خطّة شاملة للسلام بين الجانبَيْن الفلسطيني والإسرائيلي، وتُشجّع البدء في مفاوضات مباشرة للسلام بين الجانبَيْن تحت رعاية واشنطن، ومعالجة أي خلافات حول أي من جوانب الخطّة من خلال المفاوضات، وذلك من أجل الدفع بعمليّة السلام قدماً للوصول إلى اتفاق يُحقق للشعب الفلسطيني الشقيق حقوقه المشروعة".

من ناحيتها، اعتبرت الإمارات أن خطّة السلام "نقطة انطلاق مهمّة للعودة إلى طاولة المفاوضات"، مؤكدةً ترحيبها بهذه "المبادرة الجادة". وقال السفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة في بيان: "تُقدّر الإمارات الجهود المستمرّة التي تبذلها الولايات المتحدة للتوصّل إلى اتفاق سلام فلسطيني - إسرائيلي"، بينما رأت الخارجيّة القطريّة أنّه «لا يمكن تحقيق سلام من دون صون حقوق الفلسطينيين بإقامة دولة ذات سيادة على حدود العام 1967».

دوليّاً، دعت روسيا الإسرائيليين والفلسطينيين إلى الشروع في "مفاوضات مباشرة" لإيجاد "تسوية مقبولة للطرفَيْن"، وقال نائب وزير الخارجيّة الروسي ميخائيل بوغدانوف: "لا نعرف ما إذا كان المقترح الأميركي مقبولاً للطرفَيْن أو لا. علينا أن ننتظر ردود فعل الأطراف المعنيّة"، مشيراً إلى أن موسكو ستقوم بـ"دراسة" الخطّة الأميركيّة، بينما رأى وزير الخارجيّة البريطاني دومينيك راب أن خطّة السلام هي "بكلّ وضوح اقتراح جدّي"، مؤكداً في بيان أن "اتفاقاً للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يؤدّي إلى تعايش سلمي يُمكن أن يفتح آفاق المنطقة برمّتها، وأن يمنح الجانبَيْن فرصة لمستقبل أفضل"، فيما اعتبر وزير الخارجيّة الألماني هايكو ماس أن الحلّ "المقبول من الطرفَيْن" هو وحده يُمكن أن "يؤدّي إلى سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، مضيفاً: "سندرس الاقتراح بشكل مكثف انطلاقاً من مبدأ أن كلّ الشركاء سيفعلون ذلك".بدوره، أكد الاتحاد الأوروبي مجدّداً التزامه "الثابت" بـ"حلّ الدولتَيْن عن طريق التفاوض وقابل للتطبيق"، وقال وزير خارجيّة الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في بيان باسم دول التكتل إنّ الاتحاد "سيدرس ويُجري تقييماً للمقترحات المقدّمة". ودعا البيان إلى "ضرورة مراعاة التطلّعات المشروعة لكلّ من الفلسطينيين والإسرائيليين، مع احترام كافة قرارات الأمم المتحدة والاتفاقات الدوليّة ذات الصلة"، في وقت شدّد المتحدّث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك على أن المنظّمة تتمسّك بقرارات الشرعيّة الدوليّة والاتفاقات الثنائيّة حول إقامة دولتَيْن، إسرائيل وفلسطين، "تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن داخل حدود معترف بها على أساس حدود العام 1967".

إلى ذلك، اعتبرت الخارجيّة التركيّة أن الخطّة الأميركيّة لحلّ النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين "ولدت ميّتة"، واصفةً إيّاها بأنّها "خطّة احتلال" تهدف إلى تقويض الآمال بإمكان التوصّل إلى إقامة دولتَيْن. كما رأت الخارجيّة الإيرانيّة أن الخطّة "محكومة بالفشل"، وقالت في بيان: "خطّة العار التي فرضها الأميركيّون على الفلسطينيين هي خيانة العصر"، داعيةً إلى "مكافحة هذه المؤامرة ضدّ أمّة الإسلام"، في حين كتب وزير الخارجيّة محمد جواد ظريف على "تويتر" أن "ما يُسمّى "رؤية للسلام" ليست سوى مشروع أحلام مطوّر عقاري مفلس".


MISS 3