رامي الرّيس

الإنفتاح التركي على دمشق: رهانات قاصرة عن تحقيق الأهداف!

14 كانون الثاني 2023

02 : 00

خلال لقاء بين الرئيسَين السوري والتركي قبل اندلاع الحرب السوريّة (أرشيف)

لا يمكن التقليل من أهميّة التحوّل السياسي التركي نحو دمشق، ولا يمكن أيضاً البناء عليه باعتباره مدخلاً لخلط أوراق شامل ليس في القضيّة السوريّة فحسب، بل في المنطقة برمتها. والسبب في ذلك أن الأزمة السوريّة لامست حدوداً متقدّمة التعقيد، بما يجعل اعتبار دخول عنصر واحد وفكفكة تشابكاته مع العناصر الأخرى كبداية للحل بمثابة ضرب من الخيال.

كما أن تفسير الانفتاح التركي المفاجئ على أن مسبباته هي محض محلية مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي التركي المرتقب خلال العام الجاري والذي يسعى الرئيس الحالي رجب طيّب أردوغان، بطبيعة الحال، إلى تجديد ولايته مرّة جديدة، أيضاً ينطوي على شيء من المبالغة رغم أن حذفه تماماً من المعادلة السياسيّة التركيّة الداخليّة ينطوي بدوره على شيء من التبسيط.

الواضح أن السياسة الخارجيّة التركيّة تعود مجدداً إلى ذاك المبدأ الشهير الذي كان رُسم منذ نحو عشر سنوات وحمل شعار «سياسة صفر مشاكل مع المحيط»، والذي سعت أنقرة من خلاله لحلحلة معظم مشاكلها العالقة مع جيرانها من خلال الانفتاح السياسي والاقتصادي، وهي التي كانت في الحقبات التي سبقت تولّي حكم حزب العدالة والتنمية تدير ظهرها بالكامل تقريباً إلى المنطقة وتنشط في اتجاه إنجاز عضويتها المنتظرة منذ عقود في الاتحاد الأوروبي من دون طائل.

وبالفعل، أعادت أنقرة بناء علاقاتها مع دمشق («اتفاق أضنة» الشهير كان أحد أبرز المحطات) وصولاً إلى تفعيل أواصر صداقة عميقة مع تل أبيب (ولو أنها حافظت على أدبيّاتها التقليديّة في ما يخص القضيّة الفلسطينيّة) وأبقت خطوطها السياسيّة مفتوحة مع طهران. ولقد سعت في الآونة الأخيرة إلى إعادة تنشيط علاقاتها مع القاهرة التي كانت تأذت بعمق بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين ونظام الرئيس محمد مرسي سنة 2013.

وثمّة اعتبارات أخرى أيضاً ترتبط بأعداد النازحين السوريين في تركيا الذين يناهز عددهم الأربعة ملايين نازح وهم يشكلون ضغطاً محليّاً كبيراً على حكومة أردوغان، كما على الواقع الإقتصادي التركي. ومن نافل القول أن الرئيس التركي سيستفيد إنتخابيّاً وشعبيّاً إذا حقق أي تقدّم، ولو كان محدوداً في ملف النازحين.

إنما يبقى الرهان على أن الانفتاح التركي على دمشق سوف يكون مجانيّاً مجرّد تكهنات وسيناريوات تعمل الدعاية الرسميّة السوريّة على الترويج لها في سياق السعي لتحقيق «مكتسبات سياسيّة» لا تعدو كونها فقاعات إعلاميّة غير مرتبطة إطلاقاً بالمعادلات السياسيّة الحقيقيّة.

كان لافتاً تصريح الناطق باسم الرئاسة التركيّة إبراهيم قالين الذي قال حرفيّاً: «رئيسنا يقول إذا تصرّف الأسد بمسؤولية حيال شعبه، إذا تعامل بجدّية مع المخاوف الأمنيّة التركية، إذا استمع إلى ما تقوله وتريده قوى المعارضة السورية، إذا فتح الطريق أمام تنفيذ القرارات الأممية، فهو سيمنحه فرصة الحوار». هذه النقاط الأربع تُشكّل عمق المشكلة مع دمشق وهي أكثر صعوبة من معالجتها بتسرّع قبل الانتخابات الرئاسيّة المرتقبة.

يبقى الترقب لموقف واشنطن من هذه الحركة التركيّة المستجدة أساسيّاً في سياق تحليل مآلات هذه الخطوات المتلاحقة. سبق لأنقرة أن «إنفصلت» عن واشنطن عندما انغمست في مسار آستانة مع موسكو وطهران، هو المسار الذي بقي مقفلاً وقاصراً عن تقديم الحلول السياسيّة للأزمة السوريّة (وتغيب عنه دمشق!) وساهم في مكان معيّن في إعادة تعويم دور طهران وتعميقه في الداخل السوري.

الخيارات الاستراتيجيّة أمام أنقرة خيارات صعبة، والانتقال من مسار إلى آخر من دون دراسة معمّقة للنتائج والتداعيات ستكون عواقبه وخيمة. أما سياسة «صفر مشاكل مع المحيط»، فتبقى عبرتها الأساسيّة في التنفيذ!


MISS 3