جاد حداد

Jojo Rabbit... إخفاق سينمائي عن الحقبة النازية!

30 كانون الثاني 2020

10 : 50

مدهش كيف تمكن شخص مثل تايكا وايتيتي من إقناع شركة "مارفل" بصرف أموالها على فيلم من النوع الذي نحن بصدد التعليق عليه. لا شك في أن هذا العمل الكوميدي عن النازيين ليس محبذاً بنظر معظم شركات الإنتاج في العام 2019.

في التفصيل، يطرح فيلم Jojo Rabbit (الأرنب جوجو) نفسه كـ"محاكاة ساخرة ضد الكراهية"، لكن تتلاشى الجوانب التي تُميّزه خلال دقائق معدودة. لا تتطور الأحداث بالشكل الذي توحي به بدايته الواعدة، والأسوأ من ذلك هو أنه يفتقر إلى الزخم اللازم لتحقيق هدفه. لا يمكن اعتباره كارثياً بقدر ما كان ليصبح عليه نظراً إلى المجازفة الكبرى التي يأخذها، لكنه أقل مستوى من التوقعات المنتظرة منه. تبقى هذه "الكوميديا عن هتلر" آمنة أكثر من اللزوم.

لتشجيع المهتمين بمشاهدة الفيلم، يكفي أن نسألهم: ماذا لو أخرج ويس أندرسون كوميديا عن النازيين؟ يستعمل وايتيتي قدراته الكوميدية الخرقاء لاقتباس رواية Caging Skies (السماوات الخانقة) لكريستين لونينز وتحويلها إلى قصة تدور أحداثها في ألمانيا في آخر أيام الحرب العالمية الثانية. نقابل هناك "جوجو" (رومان غريفين ديفيس)، وهو صبي ألماني لطيف يتّجه إلى مخيّم نازي، حيث يتدرب الشبان على رمي القنابل اليدوية وتتعلم الشابات أهمية إنجاب أطفال آريين (تتباهى معلمة تؤدي دورها ريبيل ويلسون بإنجابها 18 طفلاً حتى الآن!). يتوق "جوجو" للانضمام إلى الحزب النازي، فيلقي التحية على هتلر بكل ثقة حين لا يتكلم مع صديقه الخيالي، أدولف هتلر شخصياً (يقدّم وايتيتي هذا الدور بطريقة خرقاء، علماً أن الشخصية غير واردة في الكتاب الأصلي الذي يحافظ على جدّيته). يؤدي الكاتب والمخرج دورَ واحدٍ من أكثر الأشخاص شراً في التاريخ لكنه يبدو رجلاً معتوهاً ومُتَلعثماً، فيعرض على صديقه البالغ من العمر 10 سنوات السجائر دوماً ويقترح عليه أفكاراً سيئة جداً.

لكن حين يتعب "هتلر الأخرق"، تتلاشى أهمية دوره لحسن الحظ وتُركّز الحبكة على "جوجو" حين يجد فتاة يهودية مختبئة في قبو منزله. تؤدي دورها توماسين ماكنزي المدهشة من أعمالها Leave No Trace (لا تترك أي أثر). سرعان ما نعرف أن والدة "جوجو" (سكارليت جوهانسون) التي تعمل أيضاً لصالح المقاومة هي التي خبّأت الفتاة هناك، لكن يشعر "جوجو" بارتباك شديد أمام هذا الوضع. في النهاية، لا تبدو هذه اليهودية شريرة ولا تتصرّف كالوحوش. فيبدأ بالتكلم معها ويحاول معرفة حقيقة اليهود كي يكتب كتاباً عن الموضوع، وتكون هذه العلاقة كفيلة بتغييره. تبرز مقارنة جميلة بين الصديق الخيالي الأقرب إلى وحش، والفتاة التي ظن أنها شريرة لكنه اكتشف أنها صديقة لطيفة. يحرص وايتيتي على عدم المبالغة في عرض جوانب ميلودرامية مفرطة، وتقدّم ماكنزي أداءً جميلاً وتبدو جوهانسون لطيفة وحنونة. تضيف هاتان الشخصيتان نفحة دافئة يحتاج إليها الفيلم بشدة.



ينحرف الفيلم عن مساره الأصلي حين يستنزف حبكته الأولية، فنبدأ بالتساؤل عن مغزاه الحقيقي. باختصار، يتكلم ولد مع هتلر ثم يدرك أن اليهود يرقصون، وتتخلل الأحداث بعض المآسي! كنا ننتظر أن يكون العمل أكثر من مجرّد مزاح عابر. وحين يحاول الفيلم اتخاذ منحى عاطفي في أجزائه الأخيرة، منها نهاية مبهمة لشخصية نازية يؤديها سام روكويل، يعجز وايتيتي عن تقديم الإيقاع الذي يناسب المشاهد والأحداث. ويمكن القول إن المشاهد الأخيرة من Jojo Rabbit أبسط من اللزوم بالنسبة إلى فيلم يحتاج إلى أعلى درجات الخطورة والجرأة. يبدو العمل جريئاً في بدايته، لكنه يصبح مألوفاً نسبياً مع تطوّر أحداثه. وحتى التحوّل الصادم في مساره غير مقنع. قد يحمل الموضوع مجازفة كبيرة، لكنّ طريقة تنفيذ الأفكار مُحبِطة.عند الخروج من أجواء Jojo Rabbit وتفاصيله والنظر إلى مشاهده الفردية، يمكن رصد جوانب مثيرة للإعجاب. يثبت مخرج فيلمَي Boy (الفتى) و Hunt for the Wilderpeople (البحث عن أشرس الناس) مجدداً أنه يجيد التعامل مع الممثلين الأطفال، فيستخرج أداءً ممتازاً من ديفيس وصديقه الظريف في المخيّم النازي، آركي ياتس، الذي يكاد يسرق الأضواء من الآخرين في الفيلم. كذلك، تجتمع الموسيقى التصويرية للملحن مايكل جياشينو والتصوير السينمائي لميهاي مالايماري جونيور- ومن أعماله The Master (السيّد)- لإضفاء الأجواء التي يبحث عنها وايتيتي وتشبه أفلام المخرج الشهير ويس أندرسون. من الواضح أن النجاح سمح لوايتيتي بالاستعانة بالطاقم المناسب لتنفيذ رؤيته. ومع ذلك، سيغادر الكثيرون صالة السينما وهم مقتنعون بأن المغزى الحقيقي من تلك الرؤية بقي مبهماً.


MISS 3