أوروبا تُعتبر إلى جانب الولايات المتحدة من أبرز الأسواق الإستهلاكيّة

الكارتلات المكسيكيّة "تُسيطر" على بلاد "ملك الكوكايين" إسكوبار!

02 : 00

كولومبيا وحدها هي المزوّد بثلثَي الكوكايين المستهلك في العالم (أرشيف)

مع ازدياد الطلب على المخدّرات حول العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا، يتعاظم دور كارتلات المخدّرات المكسيكيّة ونفوذها وانتشارها عالميّاً، حتّى في كولومبيا، حيث لم يكن ليتخيّل للحظة «ملك الكوكايين» بابلو إسكوبار، تاجر المخدّرات الشهير الذي قُتل في العام 1993، أن السيطرة على سوق الكوكايين في أرضه كولومبيا، ستنتقل في يوم من الأيام إلى تجّار المخدّرات المكسيكيين.

كولومبيا وحدها هي المزوّد بثلثَي الكوكايين المستهلك في العالم، لكنّ سقوط كارتلَي «ميديلين» (التي كان يرأسها إسكوبار) و»كالي» منتصف التسعينات واتفاق السلام المبرم العام 2016 مع متمرّدي «القوات المسلّحة الثورية الكولومبية» (فارك) الماركسيين، غيّر طبيعة السوق. فأصبح المكسيكيون الملوك الجدد للمخدّرات الكولومبية بعد أن كانوا وسطاء بسيطين في تسعينات القرن الماضي، إذ باتوا يُموّلون التصنيع ويُشرفون على الشحن من الأراضي الكولومبية.

وفيما استفاد المكسيكيون من انهيار منافسيهم الكولومبيين لبسط سيطرتهم على القطاع بشكل شبه كامل، كشف منسّق مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة (UNODC) في كولومبيا إستيبان ميلو، أنهم يُلقَّبون بـ»تجار المخدّرات غير المرئيين»، لافتاً إلى أنهم غير مرئيين لأنّهم يهتمون «بالتمويل ولذلك لا يحتاجون إلى الظهور، ولا يحتاجون إلى وجود هيئة مسلّحة خلفهم، لأنّهم ليسوا متورّطين في نزاعات إقليمية بسبب أعمال تهريب المخدّرات»، بحسب وكالة «فرانس برس».

وحاليّاً، يُحتجز نحو 40 مكسيكيّاً في السجون الكولومبية بسبب تهريب المخدّرات، وفق جهاز «محامي الشعب»، وهو مكتب رسمي مهمّته حماية حقوق الإنسان. ويتبع معظمهم لعصابتَي «سينالوا» و»خاليسكو الجيل الجديد» التي تُثير الخوف، واعتُقلوا في مناطق تُصدَّر منها الكوكايين على ساحل المحيط الهادئ وفي منطقة البحر الكاريبي وعلى الحدود مع فنزويلا.

وهناك، «لديهم دور إشرافي للتحقّق من أن الشحنات تسير على ما يُرام، وتُغادر إلى الولايات المتحدة عبر أميركا الوسطى من دون مواجهة مشكلات»، وفق الباحث كايل جونسون، الذي أكد «حصول انعكاس في ميزان القوى بين الكولومبيين والمكسيكيين، وذلك ببساطة لأن مَن يُسيطرون على أكثر مراحل الأعمال ربحية تغيّروا».

ويُباع كيلو الكوكايين بنحو 994 دولاراً في كولومبيا. بعد عبور أميركا الوسطى، يبلغ ثمنه 28 ألف دولار في الولايات المتحدة. وفي أوروبا، يبلغ أكثر من 40 ألف دولار، بحسب موقع «إنسايت كرايم» المتخصّص. وأوضح الجنرال المتقاعد ونائب الرئيس الكولومبي السابق أوسكار نارانجو أنّه «كان هناك نوع من تقسيم العمل» في الماضي، إذ «كان الكولومبيون يُنتجون الكوكا ويُخزّنونها وينقلونها إلى ساحل المحيط الهادئ أو بحر الكاريبي أو إلى الموانئ. ثمّ يهتمّ المكسيكيون بنقلها إلى المكسيك أو الولايات المتحدة».

ولكن مع سقوط الكارتلات الكولومبية الرئيسية وتفتّتها، لم تتمتّع عصابات المخدّرات التي خلفتها بالقدرة على التحكّم بالتجارة بالمستوى عينه، الأمر الذي سمح للمكسيكيين بالتقدّم على الكولومبيين و»إخضاعهم». وتحت إشرافهم، توقّف نقل المخدّرات بالطائرات وباتت تُنقل إلى الولايات المتحدة في قوارب سريعة أو غوّاصات.

وبعيداً عن السوق الأميركية، أعاد تجّار المخدّرات الكولومبيون توجيه نشاطهم نحو أوروبا. وكشف إستيبان ميلو أن المخدّرات تصل منذ 3 سنوات عن طريق الشحن وبـ»كمّيات كبيرة جدّاً» إلى موانئ إسبانيا وبلجيكا وهولندا. ولفترة طويلة، أعطى كارتلا «سينالوا» و»خاليسكو» الأولويّة لسوقهما «الطبيعيّة»: الولايات المتحدة. لكنّهما باتا يستهدفان أيضاً أوروبا، حيث يرتفع الاستهلاك بشكل هائل.

ومنذ جعل أباطرة المخدّرات أوروبا أولوية مطلع العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، صارت أرباح هذه السوق التي تُقدّر بعشرات مليارات اليورو تؤجّج على نطاق واسع الفساد والجرائم الشديدة العنف. وحذّرت رئيسة المكتب الفرنسي لمكافحة المخدّرات (أوفاست) ستيفاني شيربونييه من أن «المصالح المالية جعلت المنظمات الإجرامية تستورد أساليب الكارتل إلى أرضنا: تصفية الحسابات والخطف والتعذيب».

وبالفعل، ينخر الموانئ الرئيسيّة في شمال أوروبا عنف المافيات المحلّية التي تُزعزع استقرار ديموقراطيات متجذّرة مثل بلجيكا وهولندا. فمِن إلقاء قنابل يدوية وعمليات إطلاق نار في شوارع أنتويرب إلى الاغتيالات في أمستردام، مروراً بمخطّطات خطف شخصيات سياسية في البلدَين هذا الخريف، تُهدّد أساليب المهرّبين النظام العام وتهزّ المجتمع بأسره. وحذّر المدّعي العام في بروكسل جوهان ديلمول في أيلول من أن تُصبح بلجيكا قريباً «دولة مخدّرات».

وتُقدّر الشرطة الأوروبّية «يوروبول» أن قيمة سوق البيع بالتجزئة السنوية للكوكايين في أوروبا تتراوح بين 7.6 و10.5 مليارات يورو. ويعمل مئات الآلاف من المزارعين الكولومبيين في مجال زراعة الكوكا، ولم تُغيّر مليارات الدولارات التي أنفقتها واشنطن وبوغوتا على مدى عقود في «الحرب على المخدّرات»، شيئاً، إذ يستمرّ الإنتاج في النموّ.

وفي هذا الصدد، بلغ الإنتاج مستوى قياسيّاً تاريخيّاً عام 2021، إذ تمّ حصاد 1400 طنّ مقابل 1010 أطنان عام 2020، وفق مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة، ما يُمثّل قفزة بنسبة 43 في المئة، فيما يُقدّر الخبراء الحجم الإجمالي للكوكايين الذي عُرض في السوق العالميّة عام 2021، بأكثر من 2000 طن.


MISS 3