بارت سزيوزيك

إنشاء جيش أوروبي مشترك خيار غير منطقي

المصدر: test sgdfkahsdjha adh

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مع ديبلوماسيين في مقبرة جماعية في بوتشا | أوكرانيا، 8 نيسان 2022

لم تحرز فكرة إنشاء جيش أوروبي أي تقدّم منذ اقتراحها للمرة الأولى خلال الخمسينات، لكنها تعود للظهور من وقتٍ إلى آخر. اليوم، أصبحت أوروبا بأمسّ الحاجة إلى تعزيز دفاعاتها ضد روسيا الإمبريالية الجديدة التي تسعى إلى إعادة رسم معالم النظام الناشئ بعد الحرب الباردة في القارة الأوروبية عن طريق الحرب، لذا أصبحت فكرة إنشاء جيش مشترك متداولة في العواصم الأوروبية مجدداً. أصدر الاتحاد الأوروبي حديثاً استراتيجية صناعية دفاعية، وهو يخطط لتعيين مفوض أوروبي للدفاع، لذا يسهل أن نستنتج أن فكرة إنشاء جيش خاص بالاتحاد الأوروبي وطرح سياسة دفاعية مشتركة قد تتحقق أخيراً. لكن أثبتت أحداث الماضي أن هذا الخيار يوصل إلى طريق مسدود. لن يظهر دفاع أوروبي مشترك ومُرَكّز، ويُفترض ألا يفكّر أحد بهذا الاقتراح.



نظرياً، تبدو فكرة إنشاء قوات مشتركة جاذبة، فهي تعني أن يتجنب جيش أوروبي واحد تداعيات متكررة ومكلفة، وتظهر اقتصادات واسعة، وتتلاشى الإجراءات البيروقراطية العقيمة. كذلك، قد يُمهّد أي جيش مشترك لإطلاق نظام ردع موثوق به وتحسين الأداء في ساحات المعارك.

لكن طالما يتألف الاتحاد الأوروبي من دول قومية، تبقى فكرة إنشاء جيش مشترك شائبة في جوهرها. إذا تشكّل جيش من هذا النوع، سيبقى تحت رحمة حق النقض الذي تملكه فرنسا، أو ألمانيا، أو المجر، أو أي دولة عضو أخرى قد تحمل فكرة مختلفة عن استعمال القوة، أو تربطها علاقة مختلفة مع روسيا، أو تتبنى موقفاً مختلفاً في شأن تزويد الأسلحة في صراع معيّن. وبما أن حياة آلاف المواطنين ستكون بخطر، من المستبعد أن تبدي باريس، أو برلين، أو وارسو، استعدادها لإرسال جنودها تحت علم الاتحاد الأوروبي من دون أن تعترض على هذا القرار. لا مفر في هذه الحالة من نشوء خلافات غير محدودة، وأحقاد مريرة، وانشقاقات أخرى. ما النفع إذاً من تشكيل جيش الاتحاد الأوروبي إذا كانت الدول تعجز عن استعماله؟

بدل التمسّك بهذا الوهم، قد تزيد قوة أوروبا جماعياً وتصبح أكثر أماناً عبر نشر فريق من الجيوش الوطنية المُدعّمة. يُفترض أن يُركّز القادة الأوروبيون على تقوية قدراتهم الوطنية.

خلال جلسة عصف ذهني في دائرة العمل الخارجي الأوروبي حديثاً، تساءل المشاركون عن قدرة دول الاتحاد الأوروبي على الوثوق بفرنسا أو ألمانيا في الشؤون الأمنية الوجودية، نظراً إلى سجل هذين البلدَين وتاريخهما الطويل في تجاهل مخاوف أعضاء الاتحاد الأقرب إلى روسيا. وخلال نقاش آخر حول الدفاع الأوروبي، أيّد الخبراء العسكريون تطبيق مقاربة تصاعدية بقيادة العواصم الوطنية، بدل إعادة ابتكار مقاربات سابقة في بروكسل.

يُفترض أن تُعتبر الازدواجية الوطنية آلية آمنة رغم فشلها أو ضمانة إضافية: إذا اختار البلد عدم المشاركة (كما فعلت ألمانيا خلال تدخّل حلف «الناتو» في ليبيا)، تستطيع البلدان الأخرى أن تتحمّل المسؤولية. يضمن غياب قيادات وطنية متعددة شكلاً من المرونة والأمن لاستعمال تلك الجيوش في تحالفات وترتيبات مختلفة عند الحاجة. حتى لو لم ترغب باريس إذاً في تزويد أوكرانيا بأي أسلحة أو تدريب جنودها، كما حصل في بداية الغزو الروسي الشامل، يُفترض ألّا يمنع هذا القرار البلدان الأخرى من التحرك. وإذا لم يوفّر الاتحاد الأوروبي الأموال اللازمة لشراء الذخائر من الخارج، لا شيء يمنع جمهورية التشيك وشركاء آخرين من اتخاذ هذه الخطوة لمساعدة أوكرانيا.

عملياً، أصبحت معظم القدرات العسكرية الأوروبية مُركّزة بيد خمسة بلدان (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، بولندا)، وهي تتولى مُجتمعةً أكثر من 70 في المئة من الإنفاق الدفاعي داخل الاتحاد الأوروبي. سيكون قرار تلك البلدان بزيادة إنفاقها، كما فعلت بولندا وألمانيا، أشبه بامتياز وطني وسيبقى كذلك في جميع الظروف. على سبيل المثال، يبقى قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإلحاق خطاباته الجازمة في الفترة الأخيرة بمساعدات عسكرية إضافية لصالح أوكرانيا ونشر قوات فرنسية متزايدة على الجهة الشرقية من أوروبا حكراً على فرنسا، ولا علاقة له بالمفوض الأوروبي للدفاع في بروكسل. سيكون أي رأي مختلف مجرّد سياسة لتشتيت الانتباه عن أهم المسائل.

يجب أن تُنسّق دول الاتحاد الأوروبي جهودها، لا مع الولايات المتحدة فحسب (قد يتغيّر التزامها بشؤون أوروبا بعد الانتخابات الرئاسية التي يشهدها البلد هذه السنة)، بل مع حلفاء «الناتو» مثل بريطانيا والنروج، إذ يدفع هذان البلدان حوالى ثلث ما ينفقه 27 عضواً في الاتحاد الأوروبي على الدفاع.

في هذا السياق، قال وزير الدفاع الأميركي السابق رونالد رامسفيلد يوماً: «يجب أن نستعد للحرب مع الاتحاد الأوروبي الذي نعرفه، لا الاتحاد الأوروبي الذي نتخيّله أو نريده». يعني ذلك أيضاً أن استعمال مؤسسات الاتحاد الأوروبي لتحقيق أهداف معيّنة قد يكون نهجاً فاعلاً: قد تُجمَع مثلاً الأموال اللازمة لشراء المعدات الدفاعية بسعر فائدة أقل مما يستفيد منه عدد كبير من الأعضاء الفرديين، تزامناً مع فرض إصلاحات تنظيمية وسياسة صناعية لتعزيز التقنيات والابتكارات الدفاعية.

يُعتبر جمع التبرعات من بروكسل أصلاً أحد الأسباب الكامنة وراء التزام الاتحاد الأوروبي وأعضائه جماعياً بتقديم أكثر من ضعف المساعدات الأميركية الإجمالية إلى أوكرانيا، أي 144 مليار يورو (حوالى 156 مليار دولار) مقارنةً بـ68.7 مليار يورو (74 مليار دولار). يشمل تمويل الاتحاد الأوروبي 11.1 مليار يورو (12 مليار دولار) من «مرفق السلام الأوروبي» لتمويل إمدادات الأسلحة لصالح أوكرانيا بين العامين 2022 و2024. في الفترة الأخيرة، اقترح مسؤولون في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك مفوض السوق الداخلية تييري بريتون، وعضو البرلمان الأوروبي ناتالي لوازو، فكرة جمع مئة مليار يورو إضافية لصالح الدفاع الأوكراني عبر صناديق الاتحاد الأوروبي. يُفترض أن تعطي تلك الصناديق الأولوية للإنتاج المحلي، ما يسمح ببناء دفاع أوروبي وقاعدة صناعية تكنولوجية أوروبية. لكن يجب أن تؤمّن الصناديق أيضاً الأسلحة والمواد من مصادر خارجية عند الحاجة، وتشارك في مشاريع جماعية مع حلفاء من خارج الاتحاد.

تبدو بروكسل بدورها مخوّلة لفرض إجراءات في أنحاء الاتحاد الأوروبي ومراعاة المخاوف الدفاعية والأمنية على نطاق أوسع. يقوم قانون الذكاء الاصطناعي الجديد في الاتحاد الأوروبي أصلاً بإعفاء «أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تم تطويرها أو استعمالها لأغراض عسكرية حصراً» من أي أعباء تنظيمية جديدة. كذلك، يُفترض أن تتسارع جوانب أخرى من القاعدة الصناعية الدفاعية والتكنولوجية في أوروبا. ويجب أن يصبح تسهيل إطار العمل التنظيمي، الذي يموّل الابتكارات الدفاعية ويُشجّع على اختراعها، من أبرز أولويات الاتحاد الأوروبي إذا أرادت أوروبا أن تتفوّق تكنولوجياً على خصومها على المدى الطويل. لهذا السبب، يُفترض أن يُركّز مفوض الدفاع الأوروبي الجديد على التداخل القائم بين السياسة الدفاعية الصناعية، والسياسة التكنولوجية، والأمن الاقتصادي، لتعزيز القوة العسكرية الأوروبية مستقبلاً.

قد يظن البعض أن الظروف مختلفة هذه المرة: نظراً إلى احتدام الحرب الروسية الوحشية في أوكرانيا واحتمال أن يفوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية ويسحب الولايات المتحدة من حلف «الناتو»، ألم يَحِن الوقت لتطبيق مقاربة مختلفة بالكامل؟ وإذا تمكّنت أوروبا من الدفاع عن نفسها، ألن يكون تجميع الموارد الأوروبية أفضل طريقة لتعزيز القدرات العسكرية في أوروبا؟

لا شك في أن مقاربة ترامب الشائكة وغير المستقرة عند اتخاذ القرارات السياسية تشكّل عامل خطر يجب أن يستعد له الأوروبيون. لكن تبقى المقاربة التي تُركّز على بروكسل محدودة في مطلق الأحوال. كذلك، قد يكون هجوم ترامب على أوروبا أسوأ من السياسة المعتمدة على أرض الواقع. رغم كلّ التهديدات التي أطلقها ترامب خلال عهده الرئاسي، أشرف هذا الأخير على توسيع الوجود العسكري الأميركي ورفع مستوى الإنفاق في أوروبا. ورغم تذمّر برلين من الوضع، لم يكن نقل القوات الأميركية من ألمانيا إلى بولندا مرادفاً للانسحاب من أوروبا. قد يسعى ترامب هذه المرة إلى وقف المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا أو إبرام صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن لم يتّضح بعد مدى قدرته على تنفيذ هذه المواقف. يكفي أن ننظر إلى سياساته تجاه سوريا وكوريا الشمالية كي نلاحظ الفجوة الكبيرة بين مواقفه الشفهية وخطواته الملموسة.

أخيراً، يُفترض ألا تُستعمل عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض كعذر لإعادة إحياء نقاشات قديمة عن سياسة دفاعية مركزية في الاتحاد الأوروبي. قد يتصدّر هذا النقاش عناوين الأخبار، لكنه يبقى مجرّد عرض جانبي مقارنةً بالأحداث الحاصلة في الدول الأوروبية الفردية وبينها، لا سيما حين تضطلع بروكسل بدور داعم مفيد لكنه محدود. يجب أن يصبّ التركيز على تعزيز القدرات الوطنية وتشجيع الدول الأعضاء على تحمّل مسؤولياتها، إذا أرادت أوروبا أن تصبح قوة عسكرية كفوءة وقادرة على ترسيخ أمنها بنفسها، وبغض النظر عن التطورات في ساحة المعركة في أوكرانيا أو نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة.