سيلفانا أبي رميا

الرسام يونس الكجك: أموالي محتجزة وعيناي على وشك الإنطفاء

17 كانون الثاني 2023

02 : 01

رسم بريشته قصص نجاح عمرها أكثر من نصف قرن زرعها بين لبنان وفرنسا. يكره التعصّب الطائفي والتمييز ويجمع في لوحاته الأديان والأوطان والإنسان. هو اللبناني الذي عاش الحرب والهجرة، والسنّي الذي رسم المسيح وهوجم، والراقي الذي لا يشبه مجتمعنا، كرّم بلوحاته فنانين وسياسيين على مختلف توجهاتهم. "نداء الوطن" التقت الفنان التشكيلي يونس - إيف الكجك الذي لم يبقَ من نظره اليوم سوى 30%، وأمواله محجوزة في المصارف والوقت ليس لصالحه. فهل تُكتب لقصّته النهاية السعيدة؟

من هو يونس- إيف الكجك؟

أنا ابن الشوف والجية، درست العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية - الصنائع وحاولت من خلالها فهم طبيعة الصراع السياسي في الحرب اللبنانية. انتقلت بعدها لدراسة الرسم والتصوير في "المركز الثقافي الروسي" في بيروت. نلت دبلوماً في الرسم الرقمي من معهد APF في باريس، وشهادة ماجستير في تاريخ الفنون من "مدرسة اللوفر" فرنسا. كما أنشأت هناك معهد Leamisa لتعليم الرسم والتصوير.

كيف انتقلت من لبنان إلى فرنسا؟

خلال الحرب تهجّرنا من الشوف إلى بيروت، وهناك كبرت على صورةٍ بشعة وصعبة للعاصمة بمتاريسها وجدرانها المكسوّة بصور الشهداء وشعاراتها الرمادية الطائفية، وهو ما انعكس على رسوماتي التي كنت أنجزها باللون الرمادي أو الألوان الداكنة. وخلال تلك الفترة، ابتسم لي الحظ وسافرت إلى فرنسا حيث اكتشفت جمال الألوان والطبيعة والنور وتغيّرت نظرتي للحياة والرسم.

بمن تأثرت في بداية مسيرتك الفنية وما أوّل ما رسمته؟

تأثرت كثيراً بسيلفادور دالي والأسلوب السريالي، كما بفان غوغ وغوستاف مورو رائد المدرسة الرمزية. عشقت وتعمقت بروحانية جبران خليل جبران ومنها انطلقت لأرسم اللوحة الأولى لي، فكانت الزيتية الأحبّ إلى قلبي والتي أسميتها "أصابع القمر" وجسّدتها أيضاً في ديواني الشعري الأول الذي حمل العنوان نفسه.

كم معرضاً ولوحةً في رصيدك اليوم؟

أنجزت أكثر من 25 معرضاً فردياً بين بيروت والقاهرة وهولندا وألمانيا وبلجيكا وباريس والدانمارك. كما شاركت في حوالى 30 معرضاً بين أوروبا وفرنسا. في رصيدي ما يفوق الـ300 عمل مائي و150 لوحة زيتية.

معرضي الأول كان في "المركز الثقافي الروسي"، تلاه معرض اللوحات التكعيبية "ليلة الموسيقى" في قصر "أنيير" الشهير في إيل دو فرانس. وتوالت المعارض بعدها بين لبنان والخارج.

ما أبرز محطاتك الفنية؟

قمت بترميم المتحف العسكري في الكليّة الحربية، ورسمت آخر 5 قادة للجيش اللبناني. نظّمت أوّل سيمبوزيوم في الشرق الأوسط للأطفال الذين يكافحون مرض السرطان، وعملت مع القوات الدولية "اليونيفيل" على تكريم أطفال الجنوب عبر لوحات رسموها بأناملهم وقمت أنا بتصحيحها. وكان الهدف إرسال هذه اللوحات إلى قداسة بابا الفاتيكان كرسالة سلام من الجنوب إلى العالم إلا أن اندلاع "ثورة تشرين" والأحداث التي تلتها حالت دون تحقيق المشروع.

كذلك زرت الأطفال المصابين بالسرطان في جمعية kids First بالتعاون مع مؤسسها الدكتور بيتر نون، وبمشاركة إعلاميين وفنانين، حيث قام الأطفال برسم لوحات رائعة بيعت وعاد ريعها لدفع تكاليف العلاجات.

ومن أهم المعارض اللبنانية التي نظمتها كان معرض "عم برسمك يا حلم يا لبنان" في "النادي الفكري" بالمنارة. دعوت إليه 40 شخصية سياسية لبنانية، ورسمت بالرصاص لوحات تمثل لبنان، وتركت لهم خيار تلوينها من منطلق نظرتهم للوطن، وأهديتهم اياهم في نهاية المعرض.






ما قصة ابتكارك طوابع لشخصيات لبنانية؟

أثناء تواجدي في مكتب البريد في باريس عرض عليّ الموظف طابعاً عليه رسم للأمير الصغير بطل كتاب الفرنسي "أنطوان دو سان إكزوبري"، فاشتريته فوراً وفكّرت في تطبيق فكرة رسم شخصيات لبنانية ثقافية وفنية واجتماعية على طوابع بريدية. وعليه، زرت لبنان بعد غياب 18 سنة، واخترت 10 رجال و10 نساء منهم صباح، فيروز، سميرة توفيق، إميلي نصرالله، ماجدة الرومي، ليلى الصلح حمادة، فريال كريم، جورجيت صايغ، أنسي الحاج، رياض شرارة، أبو سليم، وديع الصافي وغيرهم. وأصبحت صاحب الحق الحصري في رسم شخصيات فكرية وفنية لبنانية على طوابع بريدية.

إلا أن الوزارة المسؤولة رفضت نشرها لكونها لا تتطابق مع منطق التوازن الطائفي والديني والسياسي في اختياري للشخصيات. وما بين الحزن على ضياع الإنجاز والغضب من المنطق الطائفي الرجعي السائد، قمت بتوزيع اللوحات الطابعية البريدية على أصحابها وغادرت لبنان عائداً إلى باريس.

يونس أو إيف الكجك. ما قصة الإسمَين؟

أنا يونس الكجك مسلم سنّي من الشوف، درست في مدرسة مار الياس المسيحية واختبأت في كنيستها خلال الأحداث، والقدرة الإلهية عرّفتني إلى السيد المسيح وقرّبتني منه.

أنا سني لبناني رسمت السيد المسيح وأم النور والقديس لوقا والابن الضال ومريم المجدلية وتعرّضت لكمٍّ هائلٍ من التهديدات بالقتل والتعذيب ووصفوني بالكافر.

في فرنسا أنا إيف الكجك، هكذا تسجّلت رسمياً. وأمام العالم كلّه أنا لبناني يفتخر بنفسه وبمسيرته وبعطاءاته وينشر الحكايات الدينية من دون خوف أو تردّد.

نظرك مهدّد اليوم. ما القصة؟

في العام 2018، مررت بفترة غضب ومأساة كبيرة، أصيبت على أثرها عيني اليسرى بنزيفٍ داخلي أدّى إلى ابيضاضها وفقدان البصر فيها تدريجياً.

وداخل "1520"، أكبر مستشفى للعيون في العالم، تمّ تشخيصي بجلطات وعفن وورم داخل العين. خضعت بعدها لجلسات ليزر للعلاج. لكن يوم وقوع انفجار "4 آب" وما خلّفه الخبر الفظيع، عشت حالةً أخرى من الغضب والبكاء وعاد النزيف إلى عيني وامتدّت المعاناة إلى العين الأخرى وأصيبت أيضاً بالغلوكوما.

اليوم عيني اليسرى انطفأت كلياً، أما عيني اليمنى فتعمل بنسبة 30% فحسب، وأستطيع تمييز الأحجام لا أكثر.

ماذا عن العلاج؟

توقفت مسيرتي الفنية وأحلامي وحياتي ونشاطاتي، ويتمثل العلاج الوحيد في زرع عين يسرى وترميم اليمنى، الّا انّ العملية غير متاحة إلا في بروكسل في بلجيكا وتبلغ تكلفتها نحو 80 ألف دولار. بعت لوحاتي لكنها لا تكفي، وككل لبناني أموالي بقيت محتجزة في المصارف.

حاولت إيجاد البديل في فرنسا، إلا أن الطبابة على حساب الدولة تتطلّب إدراج إسمي على لائحة الانتظار لمدّةٍ تقارب الـ7 سنوات وهو الوقت الذي لا أملكه أبداً.

من يقف إلى جانبك اليوم؟

عدد من الأصدقاء يؤاسيني ويساندني في طريقي الصعب هذا. لكن عتبي كبير على أشخاص كرّمتهم بريشتي ولم يحاولوا حتى السؤال عني أو دعمي... إيماني كبير بالله وبإرادته وبالأشخاص الذين لم يتركوني منهم صديقتي الإعلامية لارا نون والدكتور بيتر نون وكل من يحاول إيصال صوتي إلى وطني كجريدتكم المحترمة.






ما حلمك؟

أحلم باستعادة نظري أولاً كي استمر في الحلم والعمل على تحقيقه. لطالما حلمت بتأسيس متحفي الخاص علّه يحتضن ويخلّد أعمالي من كتب ولوحات بعد رحيلي. لا أريد للوحاتي الموت بل التخليد والتكريم ودخول التاريخ. ويبقى أملي الأكبر في أن يضمّ لبنان متحفاً للفنون الجميلة يوازي المتاحف العالمية كـ"سنتر بومبيدو" في باريس و"متحف الفن الحديث" في نيويورك، ليتمّ فيه تجميع وتخليد أعمال الفنانين اللبنانيين وإعطاؤها حقّها ومكانتها. للأسف حتى الفن لم يسلم بعد من الطائفية والتبعية في بلدنا، واللوحات تُشرى من الفنان تشجيعاً و"رفع عتب"، وتضعها وزارة الثقافة في "ديبو" داخل مبنى "اليونسكو" بدل عرضها في مكانٍ مشرّفٍ يليق بها.


MISS 3