مشروع "سكرينوم" البشري يُسجّل نشاطاتك الهاتفية!

11 : 45

يقترح عليك الابتكار الجديد أن يأخذ لقطات عن نشاط هاتفك الذكي كل خمس ثوانٍ لفهم حياتك الرقمية. لكن هل يستحق هذا المشروع العناء؟

لو حقق بايرون ريفز ما يريده، لأصبح مفهوم "وقت الشاشة" (Screen Time) قيّماً ودائماً. لكن يبدو أن المفهوم الذي يحتل الأهمية الكبرى هو "سكرينوم" (Screenome)!

أعلن الأستاذ ريفز وزميلان له في جامعة "ستانفورد" عن إطلاق "مشروع سكرينوم البشري" في مجلة "ناتشر" حديثاً. يهدف هذا المشروع إلى التقاط بصمتنا الرقمية بأعلى درجات الدقة عبر استعمال تقنية تشبه رفع الحاجب: يلتقط برنامج في الخلفية نشاط الهاتف كل خمس ثوانٍ. مثلما غيّر مشروع الجينوم البشري وعلم الجينوم عموماً طريقة فهمنا للأمراض، قد تسمح لنا البيانات الوافرة بإدراك مدى ارتباط التكنولوجيا بالمشاكل الاجتماعية.

تقول ميمي إيتو، خبيرة في علم الأنثروبولوجيا الثقافية تُحلل استعمال التكنولوجيا في جامعة كاليفورنيا: "وقت الشاشة امتداد شائع لحقبة التلفزيون، وكان يستهدف في الأصل الصحة والمخاوف التربوية. لكن حتى "الرابطة الأميركية لطب الأطفال" التي نشرت هذا المصطلح للمرة الأولى لم تعد تعتبر "وقت الشاشة" تدبيراً أساسياً".

كذلك، قد يغفل هذا المفهوم عن بيانات اجتماعية أكثر دقة. يَصِف ريفز في تقريره صبيَين في الرابعة عشرة من عمرهما، يقيمان في البلدة نفسها من كاليفورنيا الشمالية. سُجّلت نشاطاتهما منذ لحظة استيقاظهما حتى إيوائهما إلى الفراش ليلاً. للوهلة الأولى، قد يبدو نشاط الصبيَين متشابهاً، لكن يتوصل تحليل "سكرينوم" إلى استنتاج مختلف: سجّل أحدهما 186 جلسة، مدة كل واحدة منها دقيقة. أما الصبي الثاني، فسجّل 26 جلسة يومية فقط، ودامت كل واحدة منها لثلاث دقائق تقريباً. أمضى الصبي الأول وقتاً طويلاً في كتابة الرسائل على "سناب شات" و"إنستغرام"، بينما خصص الثاني نصف الوقت لاستعمال "يوتيوب" والتقاط صور الطعام.



توضح هذه التجربة اختلاف نشاطات الطرفَين على مواقع التواصل الاجتماعي (أحدهما يستهلك مواد إضافية، والثاني ينتجها)، وتثبت أيضاً أن شخصَين قد يستعملان أجهزتهما بطرقٍ مختلفة جداً، حتى لو انطلقا من نقطة البيانات نفسها. لذا يشتبه فريق ريفز بأن كل مستخدم يحمل بصمة رقمية فريدة من نوعها.

يظن ريفز أن رصد مقاطع خاصة من نشاط الهاتف الذكي ضروري لفهم طريقة استخدام الأجهزة الرقمية للتواصل مع البيئة المحيطة وعيش الحياة خارج الشاشة.

يضيف ريفز: "يتعلق الموضوع الأساسي بما يفعله الناس لربط أجزاءٍ تبدو غير متّصلة ببعضها البعض. قد ينتقلون من قراءة منشورات الأصدقاء على فيسبوك إلى البحث عن أخبار الحملة الرئاسية في بلدهم أو عن الخدمات المصرفية خلال الدقيقة نفسها. هذه الظاهرة لا علاقة لها بالمدة الإجمالية لاستخدام الجهاز".

برأي ريفز، تعكس هذه المسارات التي تتنقل بين التطبيقات والنشاطات طبيعة حياتنا الموازية وتؤثر عليها. يقدم "سكرينوم" طريقة فاعلة لدراسة الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية بحثاً عن أنماط الاستخدام المرتبطة بمسائل مثل الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي والمشاكل النفسية. لا يزال المشروع في مراحله الأولى، لكن اكتشف فريق ريفز أن طريقة تصفح الأجهزة قد تفسّر انتشار الأخبار المزيفة وتشكّل مؤشراً وبائياً على مرض السكري.مع ذلك، لا تثق إيتو بأن ابتكار "سكرينوم" سيجيب على السؤال المحوري المرتبط بتأثير الشاشات على نوعية نشاطاتنا واهتماماتنا والتزاماتنا الاجتماعية. كما أنه لن يشمل جميع المعلومات الحياتية التي تُحرك السلوكيات على مواقع التواصل الاجتماعي.من المتوقع أن يتعلق أبرز عائق أمام نجاح المشروع بالمخـــــاوف المرتبطة بالخصوصية. يصعب أن يقتنع الجميع بتطبيقٍ يسجّل نشاطاتهم ضمناً كل خمس ثوانٍ. أثبتت التجارب في السنوات القليلة الماضية أن أسخف النشاطات على الإنترنت يتم تسجيلها. تُباع هذه المعلومات إلى المعلنين في أفضل الأحوال، أو إلى المقرصنين وحملات التضليل في أسوأ الأحوال. كشفت فضيحة شركة "كامبريدج أناليتيكا" مثلاً أن اختبارات الشخصية التي يتقاسمها المستخدمون على فيسبوك تحوّلت إلى سلاح بيد الروس في الانتخابات الأميركية للعام 2016.

لنفكر بالمعلومات التي تمرّ على شاشات هواتفنا يومياً: معلومات عن الحساب المصرفي، رسائل إلكترونية تحمل بيانات شخصية، طرقات تقاسم السيارات مع تفاصيل عن الوجهات المقصودة، طلبات تسليم الطعام، نصوص مع أقرب الناس إلينا، صور وفيديوات للأولاد، وحتى المواد الإباحية وتبادل العملات المشفرة والنشاطات غير القانونية.يعترف ريفز بأنها معلومات حساسة جداً. جمع فريقه حوالى 30 مليون لقطة شاشة من متطوعين في الولايات المتحدة وكندا وميانمار. هو يتفهم المخاوف بشأن خصوصية المستخدمين ويقول إن الصور المضغوطة تُرسَل عبر خادم مُشفّر وآمن في "ستانفورد".

لكن يظن أندرو برزيبيلسكي، مدير قسم الأبحاث في "معهد أكسفورد للإنترنت"، أن مشاكل الخصوصية قد تعيق مسار المشروع: "إنها مقاربة حديثة لكنها محكومة بالفشل ما لم يرتكز البحث على معطيات علمية صلبة وشفافة وعلنية".

لا يزال مشروع "سكرينوم" في بدايته، لكن تبدو البيانات المأخوذة من مئات المتطوعين حتى الآن "مذهلة" بمعنى الكلمة. حين سُئل ريفز عن تجربة مشاهدة أُطُر لقطات الشاشة، اعترف بأن الفرد قد يميل تلقائياً إلى "التلصص" على الآخرين: "إنها تجربة مدهشة... وكأننا نتعرف على شخص جديد"!


MISS 3