رفيق خوري

متغيّرات جيوسياسية بلعبة تكتيكية

1 شباط 2020

00 : 00

الرئيس دونالد ترامب يقفز من فوق التاريخ في الصراع العربي - الإسرائيلي، ويلعب بالجغرافيا كمقاول عقاري. وليس إعلان خطته المسماة "صفقة القرن" سوى إلقاء قنبلة حارقة في مستودع صواريخ. هو يسمي ذلك سلاماً على طريقة الذين قال المؤرخ الروماني تاسيتوس إنهم "يصنعون صحراء يسمونها سلاماً". والشظايا تتطاير في كل الإتجاهات في منطقة أخطار وصراعات.

الفلسطينيون المنقسمون الذين قدموا تضحيات هائلة ووصفوا كل مشروع بأنه "تصفية للقضية الفلسطينية" يواجهون هذه المرة التصفية الملموسة الأخيرة. التصفية بالمعنى التجاري: شطب حقوقهم الوطنية غير القابلة للتصرف. لا "التصفية" بالمفهوم التاريخي لحركات التحرير والتحرر: الإرتقاء من "القضية" إلى "الدولة".

لبنان المأزوم الذي فيه قوى تريده "قضية" بدل أن يكون "دولة" يواجه مخاطر عدة: خطر ما يرفضه من توطين واقع بصفقة وبلا صفقة وتغيير ديموغرافي في وضع حساس. وخطر انعكاس الصفقة على اشتداد الصراعات الإقليمية والدولية بما يؤثر على المساعدات المفترضة له في الخروج من هاوية الأزمات.

الأردن يواجه، لا فقط إقدام إسرائيل على ضم أجزاء من الضفة وفرض السيادة على غور الأردن، ويهدد بإعادة النظر في معاهدة وادي عربة، بل أيضاً خطر التغيير البنيوي في طبيعة الكيان.

وكل العرب الذين استخف بهم ترامب يقفون أمام تحديات الرفض ومشكلة العجز عن المواجهة الفعلية. فلا هم يستطيعون تجاهل الأخطار الإقليمية الأخرى عليهم. ولا هم قادرون على تحقيق مشروع السلام العربي الذي خرج من قمة بيروت.

ذلك أن المسألة ليست مجرد رفض الصفقة بل أيضاً العمل على إسقاط مفاعيلها. وهي ليست الإكتفاء برفض التوطين، فكل لبناني وفلسطيني وعربي يعلن رفض التوطين. المسألة هي القدرة على تحقيق حق العودة. فالحقيقة صعبة، والإعتراف بها أصعب: كل الذين شاركوا في مفاوضات التسوية اصطدموا برفض حق العودة إلى إسرائيل. ولا مجال لفرض العودة إلا بهزيمة إسرائيل. والعرب، ومعهم السلطة الفلسطينية، تخلوا عن الخيار العسكري. لكن مفاعيل خطة ترامب ستقود إمّا إلى مقاومة الإحتلال وإمّا إلى فوضى.

يقول إيان كرشو في كتاب "العصر الكوني" إن قرار ديفيد كاميرون تحدي منافسيه بإجراء استفتاء على بريكست كشف "أن قراراً تكتيكياً لفرد يمكن أن يؤدي إلى انعكاسات إستراتيجية"، بحيث خرجت بريطانيا من الإتحاد الأوروبي. وحسابات ترامب ونتنياهو الإنتخابية وتكتيكات صرف الأنظار عن محاكمات "العزل" والفساد دفعت لإعلان خطة ستحدث متغيرات جيوسياسية وانعكاسات إستراتيجية.


MISS 3