كارين عبد النور

المرحلة الثانية من مشروع "النساء والأديان وحقوق الإنسان في لبنان" في آذار

تعزيز حقوق النساء في قوانين الأحوال الشخصية: "إيه في أمل"!

23 كانون الثاني 2023

02 : 00

صرخة باسمهن
في بلد الانقسامات، لا بل الانشطارات، الأفقية والعمودية، ما يفرّق يطغى على ما يجمع. وهكذا قلّما تجتمع جهات دينية وسياسية وقانونية إضافة إلى ناشطين وناشطات المجتمع المدني في مجال حقوق النساء- وإن بدرجات متفاوتة- حول طاولة مستديرة واحدة. الهدف هنا مناقشة الإصلاحات الممكنة تعزيزاً لحقوق النساء في قوانين الأحوال الشخصية الحالية. والمشروع - المبادرة أطلقته مؤسسة «أديان» في العام 2019 مختتماً مرحلته الأولى مع نهاية 2022. المرحلة الثانية المزمع انطلاقها في آذار المقبل قيد التحضير. وهذه مناسبة لنلقي الضوء ونسأل عن الآفاق.

بلورة التفكير في إصلاحات ممكنة في قوانين الأحوال الشخصية الدينية النافذة راهناً، وفي آليات المحاكم الشرعية والروحية الخمس عشرة الموجودة في لبنان. هذا، بإيجاز، هو محور المشروع الذي نفذته «أديان» بدعم من منظمة DanMission الدنماركية والمرتكز على السعي للخروج من حدّة الاستقطاب بين مواقف الأطراف المشاركة، إيجاداً لأرضية مشتركة في ما بينها وإفساحاً في المجال أمام التعاون لمصلحة المجتمع، عامة، والنساء، خاصة. وقد جمع المشروع عدداً من القضاة المدنيين والروحيين بطوائفهم المختلفة، من رجال ونساء دين، وحقوقيين وناشطين من المجتمع المدني. في حين سُجّل غياب ملحوظ لعدد كبير من النواب المدعوين. فإلى التفاصيل.


ندوة




رحلة الألف ميل

في زيارة لمؤسسة «أديان»، التقينا مسؤولة قسم الالتزام المجتمعي فيها، أدريانا بو ديوان، التي قالت لـ»نداء الوطن»: «لم يكن هدف المشروع العمل على قانون مدني موحّد بل على تطوير القوانين الدينية. فجميع الجهات لديها الإهتمام بتحسين حقوق النساء لكن ما ينقصها هو العمل سويّاً لطرح اقتراحات تهدف إلى تطوير قوانين الأحوال الشخصية الدينية في هذا الإتجاه. وهذا ما قمنا به بالفعل من خلال جمع الأطراف حول طاولة حوار واحدة». بو ديوان أكّدت على موقف مؤسسة «أديان» المؤيد لقانون مدني اختياري للأحوال الشخصية، «لكن، إلى حين وصولنا إلى هكذا قانون، لا يمكن ترك وضع النساء على ما هو عليه من إجحاف ولامساواة»، كما تضيف. لكن ما الذي يميّز هذه المبادرة علماً أن محاولات عدّة سبق وأن سعت في هذا المضمار دون جدوى؟ «هي المنهجية المتّبعة من قِبَل مؤسستنا والتي أُطلق المشروع استناداً إليها. «أديان» تعمل إلى جانب المؤسسات الدينية لا في مواجهتها. ولأنها اكتسبت عامل الثقة عبر مسيرة طويلة من العمل في هذا المجال»، تجيب بو ديوان. نقطة البداية تمحورت حول استبيان لآراء اللبنانيين حيال قوانين الأحوال الشخصية. وتلا ذلك مقابلات مع قضاة ومرجعيات دينية بهدف بلورة المشاكل التي تواجهها النساء في ظل قانون الأحوال الشخصية داخل كل طائفة، والتفكير تزامناً ببعض الإصلاحات الممكنة. بعدها جرى جمع القضاة الروحيين من مختلف الطوائف لمناقشة المواضيع ذات الصلة وأعقب ذلك العديد من الاجتماعات القطاعية. وتشرح بو ديوان: «عقدنا اجتماعاً بين القضاة المدنيين والقضاة الروحيين حيث دار نقاش حول المشاكل والإصلاحات. هذا إضافة إلى اجتماع مع البرلمانيين للتركيز على دور المجلس النيابي في هذا الصدد، كما اجتماع مع مؤسسات المجتمع المدني لعرض النتائج». وقد أثمرت الخطوات عن إطلاق باقة من المقترحات ضمن تقرير شامل في نهاية العام 2022. فكيف تفاعلت معها كل من الجهات المعنية؟

مشاركون ومتغيّبون

بالنسبة للقضاة والمرجعيات الدينية، أشارت بو ديوان إلى أن التعاون شكّل صفة مشتركة بينهم. وقد تبيّن أن العقبات موجودة ضمن قوانين الأحوال الشخصية الـ15 في لبنان من دون استثناء. ورغم أن المشاكل تتفاوت من حيث القضايا أو الحدّية، غير أن لا تصلّب في الآراء. فمقاربة «أديان» تنطلق من العودة إلى أساس الدين الذي وُجد لمصلحة الإنسان، شرط عدم المساس بالأساسيات والقواعد الدينية من جهة وبحقوق الإنسان وكرامته من جهة أخرى.

العمل مع القضاة المدنيين اكتسب أهمية خاصة بدوره. فهؤلاء ينظرون في أمور النفقة وقرارات الحماية في حالات التعنيف وقضايا الأمور المستعجلة. من هنا كانت ثمة ضرورة لجمعهم مع القضاة الدينيين لمزيد من التنسيق في كثير من النقاط التي كانت تعيق عمل الطرفين. وقد نتج عن ذلك توصية بضرورة التشبيك بين الجميع لمصلحة المرأة والطفل.

ماذا عن البرلمانيين؟ مشاركتهم كانت خجولة جداً رغم دعوة لجان الإدارة والعدل، المرأة والطفل وحقوق الإنسان في بداية المرحلة الأولى، كما كافة النواب من مختلف الطوائف والأحزاب في نهايتها، بحسب بو ديوان. والمفارقة تمثّلت بإرسال بعض النواب ممثّلين عنهم باستثناء النائبة حليمة قعقور التي حضرت شخصياً. «مردّ ذلك قد يكون لوجستياً بسبب التزاماتهم المسبقة، وربما لعدم رغبتهم في التدخّل بأي أمر ذي بعد ديني ومعتقدي. وكون المادة التاسعة من الدستور تنص على أن حرية الاعتقاد مطلقة وعلى الدولة احترام جميع الأديان والمذاهب تضمن احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية، يوجد عدم وضوح لناحية دور البرلمان في إقرار قوانين الأحوال الشخصية الدينية». لكن للسائل أن يسأل: أليس هؤلاء النواب هم أنفسهم من يطالبون بتعديل قانون الأحوال الشخصية في حملاتهم الانتخابية ليتقاعسوا لاحقاً عن دورهم التشريعي؟



تكثيف الجهود

نَدَع السياسة جانباً. فمؤسسات المجتمع المدني التي تُعنى بحقوق الإنسان سجّلت حضوراً ملحوظاً. والحال أن التعاون مع العديد منها جاء للاستفادة من خبراتها إيماناً بأن مشروعاً بهذا الحجم لا يتحقّق إلا بالتكافل والتضامن بين المؤسسات كافة مع احترام خصوصية كل منها، كما تلفت بو ديوان. «في المرحلة الأولى لم يُعمل على تعديل القوانين والممارسات وهذا ما سيكون جزءاً من المرحلة الثانية للمشروع. إذ ستتمّ ترجمة الإصلاحات الممكنة عملياً بالتعاون مع مختلف الجهات إضافة إلى أنشطة أخرى تهدف إلى زيادة الوعي حول إمكانية تحسين مستوى العدالة للنساء». وتختم: «الطريق طويلة ومحفوفة بالكثير من التحديات ويجب أن نقطعها خطوة خطوة، لكن ذلك ممكن. مثل أي شيء آخر في لبنان، لا بدّ من مواجهة العراقيل، فكيف إذا كان موضوعاً حسّاساً كهذا؟ التدخلات السياسية في المحاكم الدينية قد تفضي إلى شيء من العرقلة والمماطلة لكن نؤكّد أن نية التغيير موجودة عند رجال الدين طالما أنها لا تمس بثوابت الدين. ويبقى اتكالنا على ثقة الجهات المختلفة بمؤسستنا وهذا ما تُرجم جلياً في المرحلة الأولى».









خطوة من خطوات

كثيرون يصبون إلى تعديلات فعلية لا بل واقعية. لكن نجاح المساعي شأن آخر لأن المحاولات السابقة لم تحدث خرقاً نوعياً. ففي بلد مثقل بالأزمات حتى النخاع، ثمة من يصنّف المواضيع المتعلقة بالمرأة بالثانوية، مطلقاً حكماً مسبقاً بالفشل على أي ما من شأنه المس بالطوائف والأديان. مرجع قضائي مختص لم ينفِ لـ»نداء الوطن» وقوع تجاذب دائم في القرارات والأحكام بين القضاءين المدني والروحي. وهو ما تظهّر جلياً لدى صدور قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، ما ضاعف من ضرورة توحيد الآراء والجهود. وأضاف المرجع: «القانون المدني ينظر إلى المسألة من باب تعديل النصوص وتوحيد القوانين لتتناول الفرد كمواطن بغض النظر عن طائفته أو مذهبه. لذا، لا شكّ أن الخطوة الحالية مهمة كمرحلة أولى. لكن، لتحقيق الإصلاح المطلوب، يتعيّن توحيد بعض القواعد بين الأديان على درب إيصال التجربة إلى النجاح تمهيداً من منظار القانون المدني لإصدار قانون موحّد للأحوال الشخصية».

على أي حال وحتى إشعار آخر، يبقى الحديث عن سنّ الزواج والحضانة والولاية والوصاية كما الطلاق والحقوق المالية والاقتصادية والإرث، مادة جدلية (لا تخلو من ألم ومعاناة) تتطلب حلولاً جذرية. الأنظار شاخصة على شهر آذار وما سيليه. لعلّ وعسى.


آراء من الحملة الإعلامية لـ"أديان" الخاصة بالمشروع

أثنى المطران حنا علوان، المشرف على «المحكمة الابتدائية المارونية الموحدة»، على المبادرة وما لها من دور فاعل للوصول إلى النتائج المرجوة.

واعتبر أن الاتفاق على بعض النقاط سيمكّن من التقدّم بقانون إلى مجلس النواب لبدء العمل به. من ناحيته، رأى الشيخ فؤاد خريس، عضو المكتب الشرعي في «مؤسسات المرجع السيد محمد حسين فضل الله»، أن الكثير من المحاكم الشرعية التي تعمل على تنظيم ووضع القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية تحتاج إلى تطوير القوانين لا سيما في ما يتعلق بسن الزواج والنفقة والحضانة وذلك لحفظ حقوق الطرفين كما الطفل.

أما القس جورج مراد، رئيس «المحكمة الروحية الإنجيلية»، فأكّد بدوره على الحاجة الماسة لتحسين حقوق النساء لا سيما في ما خص الحضانة وسن الزواج متمنّياً تطبيق الطروحات بأسرع وقت ممكن. في حين أشار القاضي الشيخ فؤاد يونس، القاضي المذهبي لطائفة «الموحدون الدروز»، إلى أن هناك أموراً لا جدل فيها، كرفع سن الزواج إلى 18 سنة، ووضع تعويض للمرأة عند فسخ الخطوبة عند المسلمين، وأن تكون مصلحة الطفل الفضلى الأساس الذي تقوم عليه الحضانة.

من جهّته، لفت الأب الدكتور ابراهيم شاهين، المتقدم في الكهنة، إلى أن الكنيسة الأرثوذكسية تنظر إلى كل شخص في المجتمع بمساواة وعدالة دون تمييز بين ذكر وأنثى، في حين تنظر الأديان الى المرأة كمرأة. من هنا جاء اقتراح إنشاء قانون جديد يراعي كافة المستجدات والتطورات. كما أسف القاضي الشيخ محمد أبو زيد، القاضي في «المحكمة الشرعية السنية»، أن يستمر تطبيق قوانين صادرة عام 1962 في زمن الإنترنت والعولمة، خاصة في ما يختص بالمهل القضائية وآليات التبليغ.



* «أديان» مؤسسة غير حكومية تأسست في العام 2008، وتُعنى بالتنوّع والتضامن وكرامة الإنسان. تعمل محلياً وإقليمياً ودولياً للتعدّدية، المواطنة الحاضنة للتنوّع، المناعة الاجتماعية، والتضامن الروحي وذلك من خلال مقاربات سياقية في حقول التربية والإعلام وصنع السياسات والعلاقات ما بين الثقافية وما بين الدينية.

الحملة الإلكترونية عبر: #حقوق_النساء_في_الأديان