غادة حلاوي

الدول الكبرى عينها على لبنان وعين باسيل على الرئاسة

11 تموز 2019

10 : 41

من زيارات الوزير باسيل للسيد نصرالله

في خضم الأزمة السياسية القائمة في لبنان وفشل المساعي الهادفة إلى معالجة تداعيات حادثة قبرشمون، وما قد ينتج منها من تهديد فعلي وحقيقي بتعطيل الحكومة ومجلس النواب لاحقاً، وتمظهر مشهد سياسي جديد يعيد رسم خريطة التحالفات السياسية على نحو مغاير، يُطرح سؤال جوهري عمّ إذا كان لبنان قد ترك لقدره إقليمياً ودولياً؟ وهل بات هذا البلد الصغير خارج لعبة الأمم أم أنه لا يزال في صلبها كصندوق بريد تلجأ إليه متى دعت الحاجة؟


كلما تأزمت الأوضاع جاء من يطمئن، الحكومة لن تسقط والتسوية قائمة ولا تزال تظلّل لبنان، ولا قدرة لأي طرف على كسرها. الجهة الوحيدة القادرة على هزّ التسوية أو كسرها هو "حزب الله"، وهو أكثر تمسّكاً بمفاعيلها لاعتبارات سياسية وأمنية استراتيجية في الوقت الحاضر.


أما الدول الكبرى فلكلّ منها حساباتها وتترصد وضع لبنان من الناحية التي تهمها، فعين الأم الحنون فرنسا ترصده من خلال رعايتها المباشرة لمؤتمر سيدر ولو لم يؤت أكله بعد، فيما عين الاميركي على مصرف لبنان والجيش والقوات العسكرية الموجودة، والايراني موجود من خلال دور "حزب الله" والمقاومة والتوازن الاستراتيجي مع اسرائيل وحلفه الوثيق مع رئيس الجمهورية. تدرك هذه الدول مجتمعة أن لبنان بات موجوداً في غرفة الانعاش ولكنها تمنع موته...أو تعافيه. وترصد بالموازاة المشهد السياسي ربطاً برئاسة الجمهورية حيث بدأ الحراك المتعلق بهذا الاستحقاق رغم ولاية العامين المتبقية من عمر عهد الرئيس الحالي العماد ميشال عون.


مخطئاً كان أو مصيباً، يحاول وزير الخارجية جبران باسيل فرض حضوره، والمنافسة هنا تتجاوز خصومه الى الحلفاء. يعتمد سياسة تعزيز مكانته داخل صفوف المسيحيين وعلى ضفاف الآخرين، فهل يعطيه هذا الأمر الأسبقية الى طرق بوابة رئاسة الجمهورية؟


خلال مقابلته الاخيرة نفى باسيل ان يكون موضوع رئاسة الجمهورية وارداً في ذهنه "الله يطول بعمر الرئيس عون وعيب عليي وقلة اخلاق مني ان افكر اليوم بالرئاسة". حتى ولو سلمنا جدلاً ان هذا الموضوع خارج حساباته فعلاً، الا ان كلامه لا يتطابق مع الوقائع ولا المعطيات.
وانطلاقاً من حقه المشروع، لا ينكر حلفاء باسيل خوضه معركة الرئاسة بالاستناد إلى عاملين: تأييد رئيس الجمهورية ميشال عون، وصمت "حزب الله". وتقوم استراتيجيته على توافر عنصرين، زعامة المسيحيين، وهذا يفترض ألا يكون له أي منافس على هذه الساحة بوصفه رئيس كتلة نيابية وازنة وله الاكثرية الحكومية، فضلاً عن حضور وازن لمحازبي تياره ومناصريه في الإدارة.


يجهد في سبيل استعادة حقوق المسيحيين، ويدخل هذا العنصر في صلب خطابه مكرّساً عرفاً جديداً، أو ما يمكن وصفه بتعديل الطائف من خلال العرف منتزعاً سلطة رئيس الحكومة من خلال امتلاك تياره للثلث المعطل.
واحدة من نقاط الخلاف الأساسية التي عكرت صفو الجبل، وتسببت بأحداثه في كفرمتى وقبرشمون والبساتين هي التعيينات الادارية. يرفض باسيل حصر حصة الطائفة الدرزية بالنائب السابق وليد جنبلاط، يريدها مناصفة بينه وبين الشريكين الدرزيين الحليفين وئام وهاب وطلال ارسلان. يؤكد حلفاء باسيل أن هذا هوالسبب الرئيس لاطلاق شرارة المشكل، ولولا التعيينات لكان استقبل باسيل بالتأهيل.


يريد باسيل الحصول على كامل الحصة المسيحية مطيحاً بحقوق الفرقاء المسيحيين الآخرين كافة، من القوات الى رئيس "المردة" سليمان فرنجية وغيرهما. يوتر علاقته مع المسيحيين والدروز والسنة وهم أبناء الطائف، وجزء من الشيعة وهذا يؤثر على خطته للرئاسة بحسب حلفائه. في تقديره أن زعامة المسيحيين هي مفتاح الرئاسة وإذا لم يكن زعيماً فلن يكون بمقدوره أن يكون رئيساً، ومتى ضمن ورقة المسيحيين قويت حظوظه الرئاسية وصار مرشح الأمر الواقع بالنسبة الى "حزب الله".

في تقديره أن "حزب الله" لن يوافق حتماً على رئيس حزب "القوات اللبنانية" لرئاسة الجمهورية، في حين أن سليمان فرنجية لم يستطع تجاوز زغرتا إلى زعامة مسيحية وطنية وان علاقة قائد الجيش بالاميركيين ستبعده عن "حزب الله"، لكن ما يتجاهله رئيس "التيار الوطني" هو وجود مقاربة مختلفة للملف الرئاسي لدى "حزب الله" الذي يرفض اعطاء أي التزام مبكر في ما يتعلق برئاسة الجمهورية لاي جهة كانت حتى ولو كانت اقرب المقربين اليه.


في الماضي أعطى وعداً للعماد عون التزم به، لن يعيد الكرة بوعد جديد لأن حسابات الرئاسة مختلفة هذه المرة وأكثر تعقيداً. لذا يجد أنه من الأنسب ان يتموضع في موقع المشاهد الذي يراقب تفاصيل المسرح واللاعبين عليه، وحين تحين الساعة يبني على الشيء مقتضاه. يلتزم "حزب الله" الصمت حيال هذا الاستحقاق مع تسليمه انه في نهاية المطاف مزيج من تفاهم دولي إقليمي يتناسب مع الواقع اللبناني المحلي.


وبناء على ما تقدم وعلى الفترة الطويلة الفاصلة عن الاستحقاق الرئاسي فان حركة باسيل الداخلية قد لا تفيده الا في رفع جدار المواجهة معه من الحلفاء، والخصوم على حد سواء ولذا لا يتردد الحلفاء في نصيحته مراراً وتكراراً بتقليل الخسائر في الاتجاهين.


MISS 3