جاد حداد

The Last Full Measure...رسالة مؤثّرة عن المحاربين القدامى!

3 شباط 2020

10 : 55

يحمل فيلم The Last Full Measure (التدبير الكامل الأخير) مغزى إيجابياً بما يكفي. فهو يحلل اضطرابات المحاربين القدامى ويقدم تجربة وليام بيتسنبرغر، عضو في قوات الإنقاذ التابعة لسلاح الجو الأميركي، في قالب درامي. في العام 1969، ضحّى بيتسنبرغر بحياته خلال حرب فيتنام لإنقاذ الآخرين. يفصّل سيناريو تود روبنسون (وهو المخرج أيضاً) الوضع الذي أدى إلى موت بيتسنبرغر، لكنه يُركّز بشكلٍ أساسي على تحركات الناجين من الصراع، بعد مرور 30 سنة، إذ يواجه هؤلاء مشاعر الذنب والخجل ويشاركون في خطة لتحسين رتبة تكريم البطل بيتسنبرغر من صليب الطيران الفخري إلى ميدالية الشرف. يبذل الفيلم جهوداً كبيرة لفهم الارتباك الذي يطبع الحرب وندوبها المستمرة على المستويين العاطفي والجسدي. يستفيد روبنسون من ممثلين محترفين وأساطير حقيقيين لدعم البُعد الدرامي للقصة التي تنجح بشكلٍ أساسي حين تعرض تجارب الألم المريعة، مع أنها تتعثر أحياناً عندما تتخذ منحىً مأسوياً مفرطاً.

في العام 1999، يكون "سكوت" (سيباستيان ستان) موظفاً في وزارة الدفاع الأميركية، فيعرف أن منصبه سيُلغى على الأرجح في خضم تعديلات كبرى في القيادة، ويتعامل في الوقت نفسه مع زوجته الحامل "تارا" (أليسون سودول). في زحمة الانشغالات اليومية، يصادف "سكوت" قضية "وليام بيتسنبرغر" (جيريمي إيرفين)، وهو بطل من حرب فيتنام توقّع المخاطر المرتقبة خلال عملية "آبيلين" المشؤومة، فضحى بنفسه لإنقاذ حياة رفاقه الجنود. حصد "وليام" وسام صليب الطيران الفخري قبل عقود، لكنّ أفعاله لم تُكسِبه ميدالية الشرف، وهذا ما دفع الجنود الناجين، بما في ذلك "تولي" (وليام هيرت)، إلى محاولة تحقيق هذا الهدف. يُكلَّف "سكوت" بإعادة فتح التحقيق ويستلم قضية مراجعة إجراءات منح الميدالية على مضض قبل أن يكتشف تفاصيل لم يتصورها يوماً عن عملية "آبيلين"، فيتواصل مع الجنود "راي" (إيد هاريس) و"تاكودا" (سامويل ل. جاكسون)، و"كيبير" (جون سافاج)، و"جيمي" (بيتر فوندا في دوره الأخير). يساعد هؤلاء الجنود البنتاغون على فهم معنى الخسارة الحقيقية.

الفيلم مقتبس من قصة حقيقية، لكن يحاول روبنسون زخرفة الشخصيات قليلاً لتقديم عمل ممتع عن موضوع صعب وجدّي. لا يظهر "سكوت" كرجل سيئ، لكنه لا يبالي بإجراءات نيل الميدالية ويواجه الضغوط في عمله مع البنتاغون وتكثر مسؤولياته تجاه زوجته وابنه وينتظر طفلاً آخر خلال أسابيع.



تشكّل مهمة "سكوت" محور الفيلم، فيمضي هذا الأخير وقته مع "راي" الذي يشعر بخجل شديد بسبب الوعد الذي أعطاه لـ"وليام" حين كانا تحت الرصاص. يعيش "تاكودا" أيضاً معاناة سرية، فيتعامل ببرود مع "سكوت" لكنه يحتاج إلى درجة من الثقة للاعتراف بكامل ما حصل في ساحة المعركة. أما "جيمي"، فقد تضرر كثيراً من الحرب وأصيب بمشاكل عنيفة ترتبط بإجهاد ما بعد الصدمة، وألقت هذه الحالة بثقلها على حياته طوال عقود. أخيراً، يقوم "كيبر" بإجبار "سكوت" على السفر إلى فيتنام، فيتواصل مع رجلٍ يحاول اكتشاف الجمال في مكانٍ اعتبره جحيماً في السابق. يتضاعف العبء النفسي الذي يتحمله "سكوت" حين يمضي بعض الوقت مع والدَيّ "وليام" المُسنَّين، "أليس" (ديان لاين) و"فرانك" (كريستوفر بلامر) الذي يوشك على الموت بسبب السرطان ولكنه يأمل في العيش لفترة كافية كي يشهد على تلقي ابنه الغالي ميدالية الشرف. تبدو هذه المحادثات صادقة وشفافة، فتعيد إحياء التجارب المنسية التي يخوضها كل من يقاتل باسم الولايات المتحدة، إذ يضحّي هؤلاء بأنفسهم في سبيل بلدٍ لا يهتم بهم بعد إنهاء خدمتهم. يسهل أن نشعر بحجم الألم في لحظات مماثلة، لا سيما عند عرض ذكريات "فرانك" عن حياةٍ قضى عليها العنف. يقدم بلامر أداءً جميلاً في هذا الدور.

يشمل The Last Full Measure مشاهد كثيرة تطغى عليها الذكريات المؤلمة وتنتهي بشفاء نفسي، ويقوم الممثلون الأقوياء بواجبهم على أكمل وجه كي نشعر بأن مشاعرهم حقيقية لأقصى حد. لكن لا يشاركهم روبنسون القدر نفسه من الشغف دوماً، بل يخرج من محور القصة الأساسي أحياناً ويطرح حبكات مألوفة حول صفقات البنتاغون المخادعة مع مجموعة من الأشرار. كذلك، يجد المخرج صعوبة في تفريغ المشاعر، فيقدم مشاهد مفتعلة يبدو فيها الجنود في حالة مؤثرة ويخوضون تجارب عاطفية قوية. هذه الأجواء مبالغ فيها بدرجة معينة، ومع ذلك تبقى الرسالة الكامنة وراء الفيلم واضحة، ولا بد من الإشادة طبعاً باحترام العمل للمحاربين القدامى ومشاكلهم المختلفة، فهو يحاول توعية المشاهدين حول حجم الأعباء العسكرية على أرض الواقع.


MISS 3