خالد أبو شقرا

عناوين فضفاضة "تنضح" بالأوهام والتضليل

بيان "الإنفلاش" على أطلال موازنة "الإنكماش"

4 شباط 2020

02 : 00

المسؤولون ينتظرون المواطنين لإخبارهم من سرق المال العام (رمزي الحاج)
التأكيد على ان "استعادة الثقة تكون بالأفعال وليس الأقوال"، والتشديد على ان المرحلة "تستدعي اتخاذ خطوات مؤلمة ضمن خطة إنقاذ شاملة متكاملة" للإيحاء بجدّية المواقف التي ستُتّخذ، والتحذير من أننا "قد نصل إلى الإنهيار الكامل الذي سيكون الخروج منه صعباً"، لإضفاء عنصر التشويق على عمل الحكومة... عناوين فضفاضة لا تجعل من البيان الوزاري المنوي إقراره خشبة الخلاص من الأزمة الخانقة.

المشكلة في البيان الوزاري، وبما يتعلّق بالشأن الإقتصادي تحديداً، لا تقتصر على تكراره لـ "سمفونية" الإصلاح والتطوير والقيام بالمشاريع ومحاربة الهدر والفساد وإصلاح القطاع العام وتشجيع الخاص وجذب الإستثمارات، إنما في تبنّيه لخطط لم تعد أولوية في ظل الأزمة الإقتصادية الخانقة، وجمعه كل التناقضات من أطرافها ووضعها "دكمة" واحدة فيه، واستمرار المسؤولين بالتعمية عن الحقيقة وعدم مصارحتهم الرأي العام بجوهر المشكلة وسبل الخروج منها.

الأولويات اختلفت

"سيدر" وخطة "ماكينزي" عنوانان جذّابان، لكنهما مع الأسف لم يُختارا بعناية لوضعهما في البيان الوزاري، فالأول أي "سيدر" هو مشروع تبلغ قيمة مرحلته الأولى 11 مليار دولار مخصصة للبنى التحتية، وبغضّ النظر عن الحاجة الراهنة إلى تطوير المشاريع في ظل الأزمة النقدية الخانقة، فإنه "لم يجرِ عليه أي تعديل وخصوصاً لجهة تركّز المشاريع على مناطق حضرية تمتلك أكثر من غيرها بكثير من البنى التحتية المتطورة، على عكس الهدف الأساسي منه وهو تطوير المناطق الأكثر تضرراً من غياب التنمية المتوازنة"، يقول منسق الإدارة السياسية في حزب "الكتلة الوطنية" أمين عيسى.

وتُعتبر مهمة سيدر أيضاً تعزيز النمو من خلال استثمار البنى التحتية ولكنه سيصطدم بعائقين أساسيين الاول هو أن مفاعيله الايجابية تتطلّب وقتاً لا يقل عن عامين في حين أن البلاد بحاجة الى كمية كبيرة من الاموال تُضخّ بسرعة فائقة، أما الثاني فإنّ الاستثمارات الكبرى ستنفّذها شركات أجنبية.

أما تبني خطة "ماكينزي" على أهميتها، وتحويل الإقتصاد من ريعي إلى منتج، وتشجيع الصناعة ودعم موادها الأولية عبر تسهيل الإجراءات المصرفية.. فهي "تُناقض الموازنة الإنكماشية التي تبنّتها الحكومة نفسها قبل أيام. فيجري حصر دعم الإستيراد بسلع تُعدّ على أصابع اليد الواحدة وفي المقابل يعدون انهم سيفعّلون العجلة الإقتصادية"، يوضح عيسى. ويضيف: "هذه الحكومة مقيدة بالموازنة المقرّة. وعليه كان الأجدى بهذه الحكومة تشخيص المشكلة وتحضير خطة متكاملة على ان تكون الموزانة مرآة لهذ الخطة وليس العكس اي ان يجري تبنّي موازنة محضّرة من قبل حكومة سابقة كانت سبب الانتفاضة الشعبية".

والمعلوم أن من ضمن مهام "ماكينزي" الاساسية تشجيع القطاعات التي تزخر بالقدرة على التصدير وبالتالي خفض ميزان المدفوعات لكنها بالتأكيد لا تطرح رؤية شاملة وكاملة ويغيب عنها البُعد الاجتماعي، لهذا لا يمكن اعتبارها استراتيجية اقتصادية بل استراتيجية قطاعية.

أزمة حقيقية... ووعود

"ما رشح عن البيان الوزاري يُشير إلى وعود إيجابية لكنها على الأكيد ليست خطة عمل، فخطة العمل في الظرف الذي يمرّ به لبنان يجب ان تلحظ مهلاً زمنية أقل من 100 يوم، وهي الفترة الأقصر التي وضعتها الحكومة لتنفيذ الإصلاحات. فهناك قرارات ومواضيع بالغة الاهمية كتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء مثلاً، التي لطالما كانت مطلب الجهات المانحة الدولية وهي تتطلّب أياماً وليس أسابيع في حال توفرت النية الجدية لإقرارها"، يؤكد عيسى.

ما يلفت انتباه الخبير إيلي يشوعي في مسودة البيان الوزاري هو "إنتظار المعنيين للمواطنين لمعرفة من سرق المال العام". تهكّم يشوعي على ما يجري تحضيره ليس إلا المقدمة لرفضه بياناً وزارياً "أعاد تبنّي خطة جبران باسيل للكهرباء".

الوزارء الذين غرقوا في العموميات، عمدو إلى "تكبير حجرهم" إلى درجة ستجعلهم عاجزين عن رفعه، في حين كان الاجدى بحسب يشوعي "إعداد بيان وزاري من صفحة واحدة ولفترة أقل من 3 سنوات، يتضمّن مجموعة محدّدة جداً من النقاط، يجري من خلالها ضخّ مليارات الدولارات في الاقتصاد من دون أن تكون ديوناً إضافية تُثقل كاهل الخزينة والأفراد بالمزيد من المتطلّبات. وإذا جرى حسن إدارة هذه الملفات فمن الممكن أن نحقّق موازنة من دون عجز وإعادة تحريك العجلة الإقتصادية وإبعاد شبح الإنهيار المالي عن الدولة، وتمويل المصارف ببعض السيولة الضرورية لتخفيف قيودها".

في ما يتعلق بـ "معالجة الأزمة النقدية والمصرفية" فإن مسودة البيان الوزاري لخّصتها في 3 نقاط يتيمة، تتعلّق بحماية أموال المودعين أولاً والمحافظة على سلامة النقد ثانياً، لكن من دون الإشارة إلى نشوء سوقين للصرف وأن القيمة الحقيقية للعملة تجاوزت الـ 1500 ليرة لبنانية مقابل الدولار، وإعادة رسملة المصارف ومعالجة تزايد القروض المتعثرة من خلال الوعد باتخاذ الإجراءات الضرورية والعمل على إعداد مشاريع القوانين عند الضرورة. لكن المشكلة برأي يشوعي ان أحداً لم ينتبه قصداً إلى ان "المصارف قد أضاعت ما يقارب 140 مليار دولار، وبالتالي فإن أي زيادة في الرساميل بقيمة 4 مليارات دولار ورفعها بشكل إجمالي إلى 26 ملياراً، تبقى أقل بكثير مع الديون الهالكة، وهو ما سيبقي تصنيفات الوكالات الدولية سلبية".

الوضع... أسوأ بكثير

إنتقاد ما يجري التحضير له سلفاً لم يعد محصوراً داخلياً، فها هو مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شنكر يُعلن قبل زيارته المرتقبة إلى لبنان إن "الاقتصاد اللبناني في وضع أسوأ مما يظن البعض، حيث نعتقد أن احتياطات العملات الأجنبية أقل بكثير ممّا تمّ الإبلاغ عنه علناً".

هذا الواقع المعروف الذي أصبح مثل "الثقب الأسود" لا يزال المسؤولون يتغاضون عنه ويبنون على جوانبه الخاوية خططاً وحلولاً، فيما المطلوب ردمه أولاً ومن ثم الإنطلاق بأي خطة.

مطالبات الرأي العام اللبناني، الثائر منذ 17 تشرين الأول على مجمل الطبقة الحاكمة، وإصرار الجهات الدولية على تشكيل حكومة مستقلة لم يكن عبثاً. فـ "استقلالية السلطة" برأي يشوعي "هي الشرط الأساسي لتنفيذ بقية المطالب، وهي كفيلة باسترداد عشرات مليارات الأموال المنهوبة لانها مرتبطة بإمكانية استرجاع المودعين لودائعهم. وهذه الإستقلالية هي المدخل الأول لانتخابات مبكرة ومحاسبة النظام المصرفي".


MISS 3