رفيق خوري

سقوط الأعمدة في دولة مخطوفة

28 كانون الثاني 2023

02 : 00

لا شيء يوقف الإنهيار حين يبدأ من فوق على قمة السلطة. وهو بدأ منذ السطو على الدولة قبل السطو على ودائع الناس، وقبل الشغور الرئاسي، وتسارع معه أفقياً وعمودياً. ومن طبائع الأمور كما تدل التجارب في العالم، أن يؤدي الإنهيار السياسي الى إنهيارات إقتصادية ومالية وإدارية وإجتماعية. وإذا كانت الأعمدة الثلاثة الأخيرة للبلد هي الليرة والقضاء والجيش، فإن الليرة أعطتكم عمرها، والقضاء أُجبر على الإنتحار، وبقي الجيش صامداً في رياح الأخطار.

ولا أحد يجهل مصاعب التماسك والإمساك بالأمن في غياب سلطة سياسية تتمتع بالشرعية الكاملة. فالشغور الرئاسي تحوّل فراغاً في السلطة، حيث حكومة تصريف الأعمال هي شبه حكومة، والمجلس النيابي معطل بالإمتناع عن ممارسة أهم دور وطني له هو إنتخاب رئيس للجمهورية. أما القضاء، فإن القدر السياسي يتحكم به. وما كان من المفاجآت ما فعله بنفسه وما فعله به النافذون، مما لم يحدث مثله حتى خلال حرب لبنان الطويلة وإنقسام البلد والحكومتين في ظل الشغور الرئاسي.

ذلك أن من الوهم توقع العدالة في دولة مخطوفة. فالممنوع، في جريمة من حجم تفجير المرفأ وتدمير نصف بيروت بنترات الأمونيوم، ليس فقط تحقيق العدالة بل أيضاً معرفة الحقيقة. والمشهد المحروس بقوة السلاح والعصبيات والمصالح هو صورة المتهمين الكبار في السلطة. وأهل الضحايا في الشارع وبعضهم في السجن، والناقص هو وضع المحقق العدلي طارق البيطار في السجن، وعدم الإكتفاء بالدعاوى الكيدية التي جعلت يده مكفوفة على مدى عام. فهل كان من الصعب مناقشة الإجتهاد القانوني الذي عاود العمل على أساسه بإجتهادات قانونية معاكسة أم أن إستخدام "قانون القوة" بدل قوة القانون هو"أمر اليوم" الذي لا يرد وجرى تنفيذه بعد عام من التهديد بـ"قبعة" داخل قصر العدول. وهل كان الذهاب الى"جهنم" قدراً لا يرد، بحيث لم يفعل شيئاً لوقفه من تحدث عنه على أعلى المستويات في السلطة؟

كل هذه البلاوي، ولا أحد يستقيل، ولا أحد يقال. الرئيس رجب طيب أردوغان أقال أكثر من حاكم للبنك المركزي على خلفية إنهيار الليرة التركية أمام الدولار. رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أقال حاكم البنك المركزي لعجزه عن وقف إنهيار الدينار أمام الدولار. أما هنا، فإن حاكم البنك المركزي المسؤول الأول عما أصاب الليرة وودائع الناس والمطلوب للتحقيق في أربعة بلدان أوروبية، بتهم تبييض الأموال يدور الكلام على التمديد له حين تنتهي مدة التمديد الأخير له على الرغم من الوعود بإقالته.

ويحدثونك عن أولوية ما تريده المقاومة الإسلامية على ما تحتاجه الجمهورية اللبنانية، كأن المقاومة تستطيع العمل في بلد ينهار.

كان الديبلوماسي الأميركي جورج كينان صاحب"إستراتيجية الإحتواء" التي انتهت بإنهيار الإتحاد السوفياتي يقول: "ليس لدى الشعب فكرة واضحة عما هو جيد بالنسبة إليه". فهل صرنا في مثل هذه الحال؟


MISS 3