جاك ديتش

رئيس الوزراء العراقي الجديد يتقرّب من الولايات المتحدة مجدداً

28 كانون الثاني 2023

02 : 00

مجلس النواب العراقي يمنح الثقة لحكومة محمد السوداني


الدعم العلني للقوات الأميركية من رئيس الوزراء محمد السوداني يعكس تحولاً ضمنياً في المشهد السياسي العراقي ويؤكد استمرار تهديدات "الدولة الإسلامية".

منذ ثلاث سنوات فقط، أوشك العراق على طرد القوات الأميركية التي شاركت في إخراج تنظيم "الدولة الإسلامية" من البلد. في كانون الثاني 2020، بعد أيام على بلوغ المناوشات العسكرية التي دامت شهراً كاملاً بين الولايات المتحدة وإيران ذروتها مع اغتيال قائد عسكري إيراني معروف وإطلاق رد انتقامي بالصواريخ البالستية في العراق، أجرى البرلمان العراقي تصويتاً رمزياً لطرد القوات الأجنبية، بدعمٍ من رئيس حكومة تصريف الأعمال حينها.

يقول مسؤولون أميركيون سابقون إن المشهد في بغداد كان عبارة عن فوضى عارمة، فقد المسؤولون التابعون لـ"حزب الله" المدعوم من إيران الأصوات التي تصبّ في مصلحتهم بعد إجراء سلسلة من الاتصالات المكثفة، بما يشبه ما يفعله المشرّعون الأميركيون في مبنى الكابيتول. لكن برزت هذه المرة مجموعة أكثر جدّية من العقوبات والمكافآت.

يقول جوناثان لورد، مسؤول دفاعي أميركي سابق ومساعِد في الكونغرس أصبح الآن مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد (منظمة بحثية في واشنطن): "راح عملاء كتائب "حزب الله" يكتبون الرسائل النصية ويجرون مكالمات هاتفية مع أعضاء مجلس النواب لتهديدهم و/أو رشوتهم إذا كانوا لا ينوون دعمهم في التصويت. كان الإكراه المستعمل لإنهاء ذلك التصويت في أعلى مستوياته". لكن يبدو أن الوجود الأميركي، الذي بات على المحك في العراق قبل بدء أزمة كورونا، بدعوة ضعيفة من الحكومة في بغداد، أصبح راسخاً اليوم وقد يستمر إلى أجل غير مسمى. حصل ذلك بعدما صرّح رئيس الوزراء الجديد محمد السوداني لصحيفة "وول ستريت جورنال"، في أول مقابلة له مع وسائل الإعلام الغربية في الأسبوع الماضي، بأنه يرغب في أن يتابع الألفا عنصر أميركي في البلد مهامهم في المستقبل المنظور، علماً أن هؤلاء العناصر يتواجدون هناك لتدريب القوات العراقية على محاربة "الدولة الإسلامية". قال السوداني: "نحن نظن أننا بحاجة إلى القوات الأجنبية. التخلص من "داعش" يتطلب المزيد من الوقت".

قد يبدو الدعم العلني الذي عبّر عنه السوداني للبعثة الأميركية، التي أصبحت محدودة أكثر من أي وقت مضى منذ أن تراجع حجم القوات القتالية وأعلن العراق عن هزم نظام الخلافة الذي أسسته "الدولة الإسلامية" في أواخر العام 2017، تحولاً مفاجئاً في المشهد العراقي العام، لكنه يعكس فعلياً نزعة ثابتة إلى تفضيل واشنطن في السنوات الأخيرة.

صرّح مسؤولون أميركيون سابقون لصحيفة "فورين بوليسي" بأن رؤساء الوزراء العراقيين عبّروا عن دعمهم القوي للبعثة العسكرية الأميركية في مجالسهم الخاصة، منذ عهد عادل عبد المهدي الذي استلم السلطة تزامناً مع احتدام المناوشات بين القوات الأميركية والميليشيات المدعومة من إيران. بلغت تلك المواجهة ذروتها حين أقدمت الولايات المتحدة على قتل قائد "فيلق القدس" الإيراني، قاسم سليماني، بضربة عسكرية نفّذتها طائرة مسيّرة، ثم استهدف صاروخ بالستي إيراني قواعد عراقية تستضيف القوات الأميركية في كانون الثاني 2020.

يقول مسؤول سابق في إدارة دونالد ترامب (تواصل مع صحيفة "فورين بوليسي" شرط عدم الإفصاح عن اسمه كي يتمكن من التكلم صراحةً عن المحادثات الحاصلة وراء الكواليس): "وراء الأبواب المغلقة، كنا نسمع العبارة التالية: "نحن ندعمكم بالكامل ونريد أن تبقى القوات الأميركية هنا للتأكيد على هزيمة "داعش" وللتصدي للنفوذ الإيراني في آن. لكن حين تنفتح الأبواب، كانت هذه المواقف كلها تتغير لأن العراقيين مضطرون للتعامل مع تاريخهم الخاص".

صدرت هذه المواقف بعدما صعّدت وزارة الدفاع الأميركية إيقاع عمليات القتل أو الاحتجاز ضد كبار الناشطين في "الدولة الإسلامية" داخل سوريا، كما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في شهر كانون الأول. بدأت الولايات المتحدة تزداد قلقاً من توسّع مظاهر التطرف في ذلك البلد الغارق في الحرب ووصولها إلى بلدان هشة أخرى، مثلما تمدد "داعش" من سوريا إلى العراق في العام 2014. عبّر السوداني عن قلقه من احتمال أن يتسلل التنظيم الإرهابي إلى العراق مجدداً عن طريق الخلايا التابعة له في سوريا. لا يزال التنظيم يملك تحصينات في محافظة الأنبار الغربية، وقد أثبت قوته في الشمال وأعلن مسؤوليته عن أحدث التفجيرات بالقرب من بغداد.

حظي السوداني سابقاً بدعم فئات موالية لإيران في البرلمان العراقي المعروف باسم "إطار التنسيق"، لكنه يتعرّض اليوم للضغوط من المتشددين الشيعة، منهم مناصرو رجل الدين مقتدى الصدر الذي كان خصماً للولايات المتحدة خلال الغزو الأميركي في العام 2003. مع ذلك، بدأ السوداني يستعمل قوات مكافحة الإرهاب النخبوية لوقف تهريب الدولار إلى إيران، ومن المتوقع أن ترضي هذه الخطوة صانعي السياسة في واشنطن. كما أنه رحّب بقيصر الشرق الأوسط في فريق الرئيس الأميركي جو بايدن، بريت ماكغورك، في بغداد بعد أيام على تعليقاته اللافتة عن دور القوات الأميركية في بلده.

يقول المسؤول السابق في إدارة ترامب: "العراقيون مضطرون لإيجاد التوازن المناسب، لكنهم يحتاجون إلى دعم متواصل من الولايات المتحدة. نحن نتولى تقديم المساعدة هناك ولا نحاول التلاعب بنظامهم السياسي أو تغيير الولاءات للميليشيات والجيش. نحن موجودون هناك بكل بساطة لزيادة قوتهم ومنع عودة عدونا المشترك المتمثّل بتنظيم "داعش".

على صعيد آخر، تغيّرت طبيعة الروابط بين الطرفين نظراً إلى احتمال تلقي مساعدات أميركية إضافية، ودخول الدولارات التجارية إلى البلد، وزيادة التناغم في العلاقات بما يشبه روابط واشنطن مع دول الخليج. لكن حتى لو أوحت مواقف السوداني بأن وضع البعثة العسكرية الأميركية أصبح في أفضل حالاته منذ سنوات، بعدما أضعفته السياسات الهشة وزاد تدهوراً غداة اغتيال سليماني، يشعر الخبراء بالقلق من عدم استعداد البنتاغون للاستفادة من هذه الفرصة نظراً إلى تراجع اهتمام إدارة بايدن بالعلاقات الأميركية العراقية.

لكن قد يتغيّر هذا الوضع قريباً. تذكر صحيفة "وول ستريت جورنال" أن السوداني يخطط لإرسال وفد عراقي إلى واشنطن في شهر شباط المقبل، في محاولة منه لفتح المجال أمام تنظيم لقاء مع بايدن في وقتٍ لاحق من هذه السنة. لكن بعد تعليقات السوداني الأخيرة، أعلنت ميليشيا تسمّي نفسها "فصيل المقاومة الدولية" مسؤوليتها عن تفجير قنبلة على جانب الطريق لاستهداف موكب أميركي كان يمرّ بالقرب من بغداد.

في النهاية، يقول لورد من مركز الأمن الأميركي الجديد: "كان تصريح السوداني مثيراً للجدل، وقد أحدث ضجة كبرى في المشهد السياسي العراقي. أظن أن أكبر مشكلة تواجهها القيادة المركزية للولايات المتحدة تتعلق بغياب التخطيط أو الرؤية الواضحة لتحديد شكل العلاقات الأميركية العراقية مستقبلاً".