طوني فرنسيس

المحقق... والرئيس

28 كانون الثاني 2023

02 : 00

النزاع حول التحقيق في انفجار المرفأ يختصر النزاع حول مصير البلد. فيه من لا يريد التحقيق من الأساس ويكتب نتائجه مسبقاً. وفيه من لا يريد للقضاء أن يكون قضاءً بل مجرد موظف لديه يٌقرّ ما يمليه صاحب السطوة. في الخلاصة، من لا يريد التحقيق يأمل بمرورٍ سطحي على الكارثة. هذا المرور يتطلب محققاً عدلياً قاضياً بما ينبغي من تجهيل للفاعل، مُسَهّلاً للمرتكب الخلاص بما ارتكب.

الصراع على التحقيق والمحقق يختصر الصراع العام حول السلطة ومواقعها، وحول ما هو مطلوب من هذه المواقع. لا يمكن تخيّل قبول من يرفض التحقيق في جريمة المرفأ، برئيس للجمهورية يفتح باب التحقيق على مصراعيه في هذه القضية أو في كارثة الانهيار الشامل في البلاد. ولا يمكن لمن أطاح بالمحقق الأول فادي صوّان ثم سعى بكل قواه لـ» قبع» خلفه أن يقبل برئيس للجمهورية يشبه في بعض مواصفاته طارق البيطار. أو أن يسمح برئيس للحكومة يزيح مللمتراً عما يُرسَم له، في المحاسبة ومكافحة الفساد أو في إعادة بناء الإدارة والمؤسسات.

قد يرى البعض في هذه الاستنتاجات فعلاً متطرفاً ومقارنات لا تجوز. لكن الأمور أبسط من ذلك بكثير والتجارب تعلّم الموصوف بعدم التعلّم. فلننتظر كيف سيُستكمل التحقيق في جريمة العصر ومن سيكون المحقق البديل وماذا سيفعل. وفي هذا الوقت لا بأس من تخيّل مواصفات رئيس الجمهورية المقبل، القادم، ليس عن طريق مجلس القضاء، وإنّما من طريق من يشخّص مصلحة نظام لم يعد لا برلمانياً ولا ديمقراطياً.

تسمح تجربة القضاء على القضاء في سياق التغييرات المفروضة على طبيعة الانتظام العام، بالقول إنّ مسلسل وضع اليد على السلطة قائم ومستمر. فقد تمّ وضع اليد على السلطة التنفيذية وقبلها التشريعية، وتمّ انهاك السلطة القضائية على طريق حسم الموقع الرئاسي. وفي انتظار استكمال حلقات القضم لا بأس بهجوم على الجيش وقوى الأمن فهنا كما يبدو حلقة الممانعة الأخيرة قبل الاستفراد الأخير.


MISS 3