رفيق خوري

حكومة دياب محكومة بممارسة غش مكشوف

5 شباط 2020

01 : 50

كان فرويد يقول "إن القلق هو محرّك التفكير الطازج". ولبنان الذي سماه مايكل هدسون في كتاب له خلال الستينات "الجمهورية القلقة" هو اليوم شعب مسكون بالقلق العميق حيال الحاضر والمستقبل. من لقمة العيش إلى المصير الوطني. ومن خيارات الأفراد في حياتهم اليومية إلى خيارات البلد السياسية والإقتصادية والمالية. لكن هذا القلق لم يحرك سوى قليل من الأفكار الجديدة، وسط كثير من الأفكار القديمة، كما بدت الصورة في البيان الوزاري. وعود وردية وعناوين عامة من كل وادٍ عصا يصعب انتظامها في مشروع إنقاذي. وإذا أخذنا البيان بجدية، خلافًا لتقاليد الحكومات والبيانات الوزارية، فإن السؤال البسيط هو: من أين المال لتنفيذ كل ما خطر على البال من مشاريع خلال مئة يوم، ثم خلال سنة، ثم خلال ثلاث سنوات؟

العمر الطويل لحكومة الرئيس حسان دياب التي جيء بها على أساس أنها ستكون قصيرة العمر. لكن عمر الأزمة العميقة أطول، إذا بقينا في السياسات التي قادت إليها، سواء كان الرهان على المال من الداخل أو من الخارج أو منهما معاً. فلا شيء من الداخل بلا تغيير جذري في السياسات، وهو ما يرفضه أصحاب المصالح النافذون ويصرون على أن تأتي أية إجراءات "قياسية وصعبة" على حساب الفقراء. ولا شيء من الخارج بلا شروط صعبة ترفضها قوى أساسية جاءت بالحكومة وتديرها عملياً.

ذلك أن الحكومة تمارس ما لا يليق بشخصيات كفية ومحترمة فيها: عملية غش. غش للذات والثوار بالإدعاء أنها منهم ولهم. غش لكل المواطنين بالقول، عن حق، إنها وارثة للأزمات، ثم تتجاهل أنها تمثل قوى من ضمن التركيبة السياسية المسؤولة كلها عن صنع الأزمات. وغش للعرب والعالم عبر التزامها ممارسة "النأي بالنفس" وابتعاد لبنان من "الصراعات الخارجية". فهي حكومة لون واحد لتحالف قوى الثامن من آذار ضمن محور إقليمي عنوانه "محور المقاومة" بقيادة إيران. وهي محكومة بأن يكون القرار الفعلي خارجها، وأن تراعي، أو أقله ألا تعترض على التزام الطرف الأساسي فيها استراتيجية "إخراج القوات الأميركية من غرب آسيا". ومرحبا مساعدات.

والحد الأدنى للبحث عن حل هو تشخيص الأزمة في العمق، لا توصيف سطحها. فالتركيبة السياسية مارست سياسة الإقتراض للإنفاق على الإستهلاك والفساد وجني الأرباح للنافذين في اقتصاد ريعي. والمصارف ساهمت في تمويل عجز الدولة عبر توظيف أموال المودعين في سندات خزينة مفلسة و"هندسات" مصرف مركزي يقرض دولة لا تستطيع رد الدين، وكله من أجل فوائد عالية. ومن هنا يبدأ التغيير الفعلي أو يأتي وقت نعجز حتى عن الدوران في المأزق.


3