باسمة عطوي

بات جليّاً أن النافذين سياسياً ومصرفياً لا يريدون إصلاحاً وفق معايير صندوق النقد الدولي

من أسقط خطة دياب... يُسقط خطة ميقاتي

30 كانون الثاني 2023

02 : 00

مرّ على الاتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي نحو 10 أشهر، ولا تقدم يذكر على صعيد تنفيذ شروطه المسبقة الممهدة للاتفاق النهائي بين لبنان والصندوق. وتحولت نظرة الخبراء المعنيين، بحسب مصادر متابعة، من امل مشوب بالحذر في البداية، الى غضب حيناً وحزن احياناً أخرى: غضب من الممارسات الممعنة عمداً في عدم تنفيذ الاصلاحات كما يجب، مثلما حصل مع تعديل قانون السرية المصرفية وموازنة 2022 ومشروع قانون الكابيتال كونترول، وحزن على بلاد لا يريد مسؤولوها ومصرفيوها اتخاذ القرارات الاصلاحية الانقاذية المتعارضة مع مصالحهم، تاركين البلاد تغرق في ازماتها المتناسلة اقتصادياً ومالياً ومصرفياً واجتماعياً. وتضيف المصادر عينها أن المشاكل تتعقد مع مرور الوقت وتزيد كلفتها. فلو كانت الخطة التي وضعت ايام الحكومة السابقة (حكومة حسان دياب) وجدت طريقها الى التنفيذ لكان لبنان اليوم في طريق التعافي تدريجياً. لكن تلك الخطة سقطت بالضربة السياسية والمصلحية والمصرفية القاضية، وتراوح خطة الحكومة الحالية (حكومة نجيب ميقاتي) مكانها، لا بل تواجهها نيابياً مصاعب تذكرنا بالمصاعب نفسها التي اسقطت خطة 2020. فما اشبه اليوم بالبارحة!



لا فرق كبيراً بين الإثنين حتى الآن!



بطء مجلس النواب ومصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف

يؤكد مصدر حكومي معني بملف المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد لـ»نداء الوطن» أن «العقدة الاساسية هي تنفيذ الإجراءات المسبقة. ومن ضمنها بعض التشريعات التي يجب أن يقرها مجلس النواب، بالاضافة إلى خطوات على مصرف لبنان تنفيذها، قبل توقيع الإتفاق النهائي».

ويشدد على أن «هناك إصلاحات يجب علينا القيام بها لأن لبنان غارق في وضع حرج جداً. لكن من المفروض على جميع الاطراف التعاون، حتى نصل إلى الاتفاق النهائي ونخرج من الازمة التي نتخبط فيها لأنه لا خيار آخر أمامنا».

يضيف: «من الطبيعي أن يدرس مجلس النواب القوانين بدقة، ولكن نظراً للظروف الصعبة نتمنى الإسراع بمناقشة هذه القوانين. فقانون الكابيتال كونترول الذي يدرس من سنوات تمّ إقراره في اللجان المشتركة. ونتمنى أن يحال إلى الهيئة العامة لمجلس النواب قريباً». لافتاً إلى أن «هناك أيضاً قانون إعادة هيكلة المصارف، وقانون الانتظام المالي، وهما من القوانين المهمة جداً ويجب إقرارهما بأسرع وقت ممكن. في حين أنه على مصرف لبنان توحيد سعر الصرف، وكذلك على لجنة الرقابة على المصارف البدء بالتدقيق في حسابات المصارف الكبرى، وهي جميعها إجراءات مسبقة».

يؤكد المصدر أن «كل هذه الخطوات صعبة لكن الوقت ضاغط. وعلى الجميع بذل الجهود وتسريع الاجراءات، لأن إضاعة الوقت تكبدنا المزيد من الخسائر. عامل الوقت مهم جداً وهذا ما لا ينتبه إليه الكثير من المعنيين بهذا الملف، لأن تأخير الاصلاحات يعني زيادة المشاكل وكلفة إصلاحها». ورداً على سؤال لفت المصدر إلى أنه «لو لم يكن هناك إمكانية وأمل في الاصلاح في لبنان، لما كنا نقوم بما نقوم به اليوم. وشخصياً أراهن على إدراك السياسيين لأهمية القيام بهذه الاصلاحات، لأن عدم إقرارها يمس بمصلحة الذين يمثلونهم».

ويختم: «لا أحد لديه مناعة ضد الإنهيار الحاصل. هناك أمل وصعوبات. علماً بان الوضع السياسي المأزوم يؤثر على إقرار الاصلاحات، فانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بأسرع وقت ممكن، والمضي بالتشريعات المطلوبة، سيساعد كثيراً في الوصول الى الاتفاق النهائي من الصندوق لنضع لبنان على سكة التعافي».



جورج قرم



قرم: تحكّم «لوبي» رجال الاعمال بالدولة وعينه على أصولها

يرى وزير المال السابق جورج قرم أن «هناك أسباباً متعددة للتباطؤ الحاصل في إنجاز الاصلاحات. أبرزها تحكم لوبي «رجال الاعمال» لتسييرها وفقاً لمصالحهم، والاستفادة من أصول الدولة. علماً بأن صندوق النقد يحفز الدولة اللبنانية على بيع بعض من أصولها للإستفادة منها في عملية النهوض». مشدداً على أن «التباطؤ سببه الفوضى الحاصلة على كل الاصعدة. فالطبقة السياسية لا تملك القدرة والكفاءة في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة. في ظل تحكم «اللوبي» بكل مفاصل الدولة ووجودهم داخل الحكومة وفي مجلس النواب. فالمصالح الشخصية هي التي تتحكم في مسار المفاوضات والاصلاحات التي يجب أن تُنجز».

ويختم: «الفوضى تستولي على كل البلد والدليل هو الحرب الدائرة في الجسم القضائي. هذا يعني ان الجمهورية اللبنانية إنتهت ولا إمكانية للإصلاح. الطبقة السياسية هي المسؤولة عما وصلنا إليه وفي كل المجالات. صندوق النقد يُراقب لبنان ويريد أن يتعاطى مع حكومة فاعلة وهذا الامر غير متوفر».



إيلي يشوعي


يشوعي: طبقة سياسية لن تقبل إصلاحات إلا على مقاس مصالحها

في الميزان الاقتصادي يلفت الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي لـ»نداء الوطن» أن «صندوق النقد يطلب تنفيذ إصلاحات من طبقة سياسية قامت بممارسات شاذة ضد القوانين والاخلاق والوطنية». مشدداً على أن «هذه الاصلاحات لا يمكن أن تحصل، والبرهان هو المماطلة في تنفيذها. وكل قانون تسعى هذه الطبقة السياسية إلى تشريعه يتضمن مئات القطب المخفية التي تحمي مصالحها».

يضيف: «لا يمكن للبنان أن ينهض إلا بفريق سياسي وإداري وقضائي جديد. هذه الطبقة إستُهلكت إلى آخر ذرة. ليس هناك إصلاحات صعبة أو مستحيلة، بل ان هذه الطبقة لا تريد تنفيذها. مثلاً، المطلوب هو إقرار قانون للكابيتال كونترول، فتمّ تفصيل قانون على مقاس مصالح هذه الطبقة التي لا يمكن أن تؤمن للبنان أي مصير مختلف عما يعيشه اللبنانيون يومياً. يفصلون إصلاحات وقرارات وقوانين على قياس مصالحهم. ولا يمكن البحث عن إعادة بناء الدولة مع فريق سياسي هدمها، وسنبقى على هذا المنوال إلى أن يخلق الله ما لا تعلمون».

ويختم: «لو أن لبنان كان دولة بكل ما للكلمة من معنى، ولديه ركائز قضاء عادل وإدارة قوية، وحاكمية مصرف مركزي رشيدة تطبق سياسة نقدية بكل دراية وعلمية، وكان هناك رجال سياسة بنوا لهذا البلد حصانة على كل الاصعدة... لما إنهار لبنان وعملته وما كنا بحاجة إلى صندوق النقد».



غسان حاصباني



حاصباني: نقص في الأرقام وعوائق دستورية وسياسية وتقنية

على ضفة لجنة المال والموازنة، يشرح عضو كتلة الجمهورية القوية النائب غسان حاصباني لـ»نداء الوطن»، أن هناك «عوائق دستورية وسياسية وتقنية تساهم في إبطاء تنفيذ الشروط التي يطلبها صندوق النقد من أجل التوقيع مع لبنان»، مشيراً إلى أن «خطوات الاصلاح بطيئة. منذ أكثر من سنتين ونحن ننتظر أن تقدّم الحكومة القوانين الاصلاحية تنفيذاً لخطتها كي يقرها المجلس. ومنذ بداية الازمة لم تتمكن الحكومات من القيام بأي خطوة إصلاحية في القطاع العام، لإيقاف الهدر الاضافي الذي يحصل من أموال المودعين».

يشدد حاصباني على «أننا أمام معضلة دستورية، لأن الحكومة لا يمكنها تقديم ما تبقى من القوانين المطلوبة منها لترجمة خطتها بقوانين تصدر عن مجلس النواب ( بسبب الفراغ الرئاسي وفترة تصريف الاعمال)، وهذا ما سيبطئ الخطوات التنفيذية للخطة الانقاذية». لافتاً إلى أن «مجلس النواب بلجانه يقوم بكل الجهد المطلوب لإنهاء النقاش بالقوانين الاصلاحية، وآخرها قانون إعادة التوازن المالي الذي يجب إعادة النظر في العديد من نقاطه، وأهمها الإنطلاق من أرقام دقيقة. فكيف نتقدم من دون تحديد حجم الفجوة المالية، والمسؤوليات حول إعادة تكوين الودائع بين الدولة والمصارف والمصرف المركزي؟». ويؤكد أن «هناك ترابطاً واضحاً بين القوانين الاصلاحية المطلوب مناقشتها، لأنها تتضمن أرقاماً ومواد مشتركة، مثل كابيتال كونترول وإعادة التوازن المالي. ومن الصعب إقرار أي منها من دون نقاش القانون الثاني بالتوازي». مستغرباً «التأخير الكبير للحكومة في إنهاء نص قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، فالمجلس لا يمكنه أن يناقش قوانين من خارج الخطة التي وضعتها (الحكومة) وهذا ما يؤخر الاصلاحات».

ويرى أنه «كان على الحكومة الحالية، كدليل على جديتها وقبل إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية، أن تقدم كل القوانين التي تترجم خطتها كي يبت فيها المجلس كمجموعة وليس فرادى. علماً أن التدقيق بالأرقام الحاصل في مصرف لبنان والقطاع المصرفي لتحديد الخسائر والديون والفجوة المالية، لم ينته بعد. ومن دون الارقام النهائية من الصعب أن ينجز العمل في هذه القوانين». مشدداً على أن «مجلس النواب لا يعلم بما تّم التوافق عليه بين الصندوق والحكومة حول الاصلاحات. لأنه يقال لنا شيء ونكتشف لاحقاً أن المطلوب شيء آخر. وهذه مسؤولية الحكومة لتترجم ما تم التوافق عليه مع الصندوق بشكل واضح».

السلاح غير الشرعي والتهريب ومشاكل لبنان مع محيطه العربي

ويشدد حاصباني على أن «أحد المداخل الاساسية للتعافي أن يكون هناك إتفاق مع صندوق النقد ليس فقط للحصول على التمويل منه، بل لتحفيز جهات أخرى على المساعدة، بناء على البرنامج الذي يضعه الصندوق»، لافتاً إلى أن «برنامج التعافي مع الصندوق في القطاع المالي لن يؤتي ثماره إذا بقيت الهوة مفتوحة في القطاع العام لا سيما التهرب الجمركي والنزف في الكهرباء على سبيل المثال لا الحصر. أما سياسياً فهناك كثير من الدول التي يمكن أن تنضم إلى الصندوق وتدعمنا مادياً، وقد لا تتحرك إذا كان الوضع السياسي لا يناسبها في لبنان، وهذه نقطة خطيرة لا يمكن التغاضي عنها». ويرى أن «مسار التعافي في لبنان طويل جداً، وهناك أمور كثيرة يمكن أن تحرفه عن طريقه، منها السلاح غير الشرعي والتهريب ومشاكل لبنان مع محيطه العربي وعزلته الدولية كما هو حاصل». وقال: «صحيح أنه لا يمكن حل هذه المشاكل دفعة واحدة لكن يمكن القيام بها بالتوازي والتدريج. أي أن تبدأ الحلول في المسارات الثلاثة: السياسي والاصلاحي في القطاع العام، والتعافي في القطاع المالي ومالية الدولة وإعادة الهيكلة، لنصل إلى قاسم مشترك يوصلنا إلى حل نهائي. وأي إهمال لهذه الاضلع الثلاثة للتعافي سيعيدنا إلى حال أسوأ مالياً وإقتصادياً». ويختم: «الاصلاح ممكن إذا كان هناك جدية في إعادة بناء الدولة ونهوض بالاقتصاد. لكن إذا كانت هناك مقاربة ممنهجة لتدمير الدولة، وإستبدالها بإقتصاد وقطاع مصرفي ومؤسسات بديلة، نكون ذاهبون نحو تفككها وهذا أمر خطير جداً».