رفيق خوري

رئاسة الوحي والمعجزة "في انتظار غودو"

1 شباط 2023

02 : 00

لا معنى للسياسة سوى الخراب حين تصبح مجرّد انتظار في هاوية أزمات مشغولة باليد على مدى سنين. إنتظار وحي من الخارج أو معجزة في الداخل لملء الشغور الرئاسي. وكلّ ما أمامنا هو العجز الذي يفرضه من يراه نوعاً من "الإنجاز". شيء مثل مسرحية "في انتظار غودو" لصموئيل بيكيت. فاللعبة العبثية الدائرة على اللبنانيين ليست عبثية بالنسبة الى اللاعبين المصرّين على تعطيل اللعبة الديمقراطية بالإنسحاب من جلسات الإنتخاب بعد الدورة الأولى التي لا مجال فيها للفوز. والسؤال عند المتحكّمين بنا ليس ما العمل للخروج من الأزمات بل ما الأفضل لتوظيف الأزمات وبؤس الناس في خدمة مصالحهم و"أجندتهم".

ذلك أن الأفق المسدود في الداخل مسدود أيضاً في الخارج، والبعض يقول: من الخارج. والدعوات الصالحات في الداخل والخارج الى ضرورة الإنتخاب أمس قبل اليوم هي صوت صارخ في برية ساحة النجمة. فالذين يقولون إن إنتخاب الرئيس مسألة داخلية ولا جدوى من انتظار الخارج، يصرّون على التعطيل أو انتخاب المرشح المريح لهم. لا هم يقبلون التفاهم على مرشح يوحي بالثقة للداخل والخارج أو يرون في التفاهم إلّا على تأييد من يريدونه، ولا هم يسلمون بالإحتكام الى التنافس الديمقراطي بين مرشحين، وليربح من يربح، ويصبح رئيس كل لبنان.

والذين ينتظرون الوحي من الخارج يصطدمون بانشغال اللاعبين بأمور كثيرة غير لبنان. ولا أحد يعرف لماذا نتوقع من الآخرين الإهتمام بنا ما دمنا نحن لا نهتم بأنفسنا. فلا شيء يوحي بأن على الطريق صفقة إقليمية ودولية لها مفاعيل في لبنان. ولا أن المنطقة ذاهبة الى حرب تخلط أوراق اللعبة في لبنان ضمن اللعبة الإقليمية والدولية. ومن يراهن على ما تنتهي إليه حرب أوكرانيا، فعليه أن ينتظر طويلاً في عالم اللايقين. فضلاً عن أن الخارج ليس مجرد خارج في نظر اللبنانيين.

إيران بالنسبة الى"حزب الله"هي "قوة داخلية"، حيث لبنان جزء من "محور المقاومة" الذي تقوده طهران. سوريا بالنسبة الى أصدقائها "قوة داخلية". أميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر "قوى داخلية" عند الرافضين للهيمنة الإيرانية والمتمسكين بالعلاقات الجيدة مع الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين. حتى إسرائيل التي تدمّر لبنان في كل حرب وتهدّد بإعادته الى العصر الحجري في الحرب المقبلة، فإن حربها هي مع المقاومة الإسلامية، في رأي أوساط لبنانية. وإذا كانت جمهورية الملالي تعمل 24 على 24 ساعة في لبنان، وفرنسا تعمل بلا ملل من دون نتائج وازنة، فإن أميركا وأوروبا والدول العربية لا تعطي لبنان يومياً أكثر من ربع ساعة عمل أو اهتمام. فلا تكافؤ في المواجهة أو في البحث عن صفقة بين العواصم الإقليمية والعواصم العربية والدولية. ولا تكافؤ في الداخل بين قوة منظمة ومسلحة وقوى سلاحها الإحتكام الى القانون.

كان تشرشل يقول "إن السياسة ليست فنّ الممكن بل فنّ الرغبة". وتلك هي المشكلة في لبنان. فالممكن غير ممكن. والرغبة قادت الى الفراغ.


MISS 3