جاد حداد

You ... قصة نرجسيّ يُلاحق فتاة أحلامه!

6 شباط 2020

11 : 41

إنتهى عرض الموسم الأول من مسلسل You (أنت) منذ فترة ليست ببعيدة على قناة "لايف تايم" ليبدأ عرضه مباشرةً على شبكة "نتفلكس". ومنذ عرضه نال المسلسل رواجاً منقطع النظير لحبكته والتشويق الذي ينطوي عليه.

ينتقل المسلسل بسلاسة بين أنواع مختلفة من القصص والعلاقات العاطفية والاجتماعية المعقدة بأسلوبٍ مشوق. على مرّ الموسم الأول الممتد على 10 حلقات، يعالج المسلسل قصة الرومانسية المريضة إذ يحكي قصة الشاب "جو" (بين بادغلي)، الذي عانى من طفولةٍ أليمة (كان ضحية تعنيف)، ويحلم باستمرار بفتاةٍ يشبعها حباً ولكن حبه يتحوّل هوساً مريضاً يدفعه الى مطاردة حب حياته في تفاصيل حياتها كافة، مستعيناً في ذلك بوسائل التواصل المختلفة من فايسبوك الى تويتر الى انستغرام... وتستحيل كل الوسائل هذه أدوات للتلصّص على الحبيبة بهدف تملّكها وإبعادها عن محيطها من أصدقاء ومعجبين أو حتى معارف ومقرّبين.

ويأسر المسلسل المشاهدين داخل وجهة نظر البطل، ذلك الشاب اللطيف والنرجسي الذي يلاحق حبيبته سراً ويحاول بجهدٍ حثيث بأن يبدو مثالياً بنظرها. إنها خطته الأولية، لكنه سرعان ما يخطّط للتخلص من جميع التهديدات التي تحول دون سيطرته على قلبها، محاولاً إقناعها بأنه وحده من يحميها ممّن لا يريدون الخير لها. ولإبعاد "الأشرار" عنها لا يتوانى جو عن ارتكاب الجريمة تلو الأخرى، مدرجاً جرائمه في خانة الشهامة!

وشخصية القاتل "جو" معقدة للغاية، فهي تنتقل من اللطافة المفرطة الى العقل المخطط بدم باردٍ بلحظةٍ خاطفة. يأسرك البطل بأدائه لدرجة تشعر معها بأنك عالق داخل دماغه، خصوصاً أن المسلسل بأكمله يسرد بصوت "جو" نفسه وهو يحكي مشاعره وآماله وتخبطاته. ويعيش المشاهد مع البطل انفعالاته المختلفة فيفتح لنا باب "الوحش" الساكن بداخله على مصراعيه وندخل معه عالماً من الكذب والمؤامرات ومحاولات التحكّم بعقول الناس بتحوير متقنٍ للوقائع.

يُعتبر مسلسل You لامعاً في أكثر من مجال. فالقصص مشوّقة، وهو لا يشبه أي عمل تلفزيوني آخر وينتقل المشاهد بين حلقاته من دون ملل يذكر.

تم تسويق المسلسل باعتباره برنامجاً عن مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي. ترتبط أساليب "جو" في مطاردة "جينيفير بيك" (إليزابيث لايل) بطريقة استخدامها لتلك المواقع. لكن حين يتقابلان شخصياً، في مرحلة مبكرة جداً من الموسم الأول، يبدأ بتخفيف مطارداته لها لأنه يلازمها في معظم الأوقات. قد تكون مواقع التواصل الاجتماعي طريقة لدخول مصاصي الدماء إلى المنازل في بعض القصص، لكن يتناول You بشكلٍ أساسي ما يحصل بعد دخول الشرير إلى المنزل.

لم ينجح المسلسل فور عرضه على "لايف تايم"، بل تأخر نجاحه حتى عرضه على "نتفلكس". وعلى مرّ الخريف الماضي، كان المنتج غريغ بيرلانتي يحاول إنقاذ مسلسله الدرامي بأي ثمن.

عُرِض المسلسل للمرة الأولى على قناة "لايف تايم" في شهر أيلول، لكن كانت نسبة مشاهدته شبه معدومة: بالكاد شاهد 650 ألف شخص كل حلقة منه. وحتى بيرلانتي، وهو من أنجح المنتجين في عالم التلفزيون (اشتهر ببرامج مثل Riverdale وArrow (السهم) وBlindspot (نقطة عمياء)، اعترف في إحدى المقابلات بأن "أحداً لم يشاهده تقريباً".

لذا أجرى عبثاً مكالمات ملحّة مع المدراء التنفيذيين في قناة "لايف تايم" طالباً منهم التحلّي بالصبر كاشفاً عن رغبته في إنتاج موسم ثانٍ.

لكن بعد عيد الميلاد مباشرةً، حصل تحوّل مفاجئ لم يكن في الحسبان. بدأ المسلسل يكتسب شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي. راح الناس يبحثون عنه على الإنترنت وكتب عنه موقع  The Ringer بإطراء شديد.

ما الذي تغيّر إذاً؟ كان قد بدأ عرضه على شبكة "نتفلكس"!

سمع بيرلانتي من أفراد عائلته وأصدقائه إلى أي حد استمتعوا ببرنامجه الجديد: "لاحظت انه كلّما كان المشاهدون أصغر سناً، زاد تعلقهم بالمسلسل ورغبوا في فتح حديث معي حول تفاصيله وكأنه مسلسل حديث لم يعرض إلا للتوّ".وفي الأسبوع الماضي، أعلنت "نتفلكس" أن المسلسل جذب شريحة واسعة من الجمهور، ما جعله برنامجاً "فائق النجاح". ووفق معطياتها، شوهد المسلسل من 40 مليون أسرة خلال أول أربعة أسابيع من عرضه على الشبكة.

كان إقدام "نتفلكس" على كشف أرقام المشاهدة (من المرات النادرة التي تعلن فيها عن نِسَب المشاهدة بعد سبع سنوات على بدء بث مسلسلاتها المميزة) كفيلاً بإحداث زلزال في هذا القطاع.

لكن هل يمكن تصديق هذه الأرقام؟ وهل يُعقَل أن يحقق برنامج لم يعرف أحد بوجوده حين عُرِض للمرة الأولى على قناة تلفزيونية هذا النجاح، لمجرد عرضه على "نتفلكس" التي تشمل 139 مليون مشترك، منهم 58.5 مليوناً في الولايات المتحدة؟ "نتفلكس" في الأساس شبكة تلفزيونية وشركة إنتاج. هل اقتربت الآن من التحوّل إلى بديل كامل عن التلفزيون؟ يبدو الأمر كذلك في الولايات المتحدة، ولعلنا بدأنا نحن في لبنان أيضاً نلمس هذا التحوّل في عاداتنا التلفزيونية، فمن منا لا يتابع فيلماً أو مسلسلاً على "نتفلكس" الذي بات يزاحم شاشاتنا المحلية ويحتلّ حيزاً واسعاً من أوقاتنا؟

طوال الأسبوع الماضي، اشتكى المدراء التنفيذيون في قنوات تلفزيونية منافِسة في أوساطهم الخاصة من هيمنة "نتفلكس"، منتقدين طريقة تسويقها ومعتبرين أن الارقام التي كشفتها بلا أهمية لأنها لا تتمتع بالمصداقية. يبقى أنّ الشبكة أوضحت  من جهتها أن كل شخص من الأربعين مليوناً شاهد 70% من كل حلقة على الأقل! أما نحن في جريدة "نداء الوطن" فننصحك بمشاهدة هذا المسلسل لأنه مسلٍ ومشوّق وممتع بصرياً ولا يخلو من لحظات الاثارة والترقب!


MISS 3