د. نبيل خليفه

الخيارات المصيريّة العشرة لدولة إسرائيل!

2 شباط 2023

02 : 00

في الوقت الذي كانت اسرائيل تتجه نحو اليمين المتطرّف إن في السلطة السياسية مع تأليف حكومة بنيامين نتنياهو، أم في الممارسة العسكرية مع أحداث مخيّم جنين وسقوط عشرة قتلى فلسطينيين، فاجأ الفلسطينيون اسرائيل والعالم بردّ دموي وموجع أحدث زلزالاً نفسياً داخل الدولة العبرية وفي نفوس المواطنين اليهود: رد صاروخي من قطاع غزه على مدينة عسقلان، عملية فدائية في القدس قام بها الشاب خيري علقم (21 عاماً) وأسفرت عن مقتل سبعة اسرائيليين ومستخدماً سلاحاً حربياً، وعملية في حي سلوان قرب القدس قام بها فتى فلسطيني في الثالثة عشرة مع عمره باطلاق النار على مواطن اسرائيلي وابنه واصابهما بجروح وأصيب هو أيضاً.

إن أهميّة عملية الشاب خيري علقم تكمن في خطورتها نظراً لعدد الضحايا فيها، ما يخلق حالة قلق نفسي لدى المواطنين اليهود. وأمّا عملية الفتى الفلسطيني ابن 13 عاماً فتكمن في رمزيتها إذ هي تعكس نفسيّة الاحتقان والغضب والحقد لدى جيل فلسطيني ناشئ يحمل في قلبه وعقله شعور الانتقام من اليهود. وفي الحالتين نحن أمام معضلة وجودية: معضلة مصير الحياة المشتركة العربية - اليهودية في فلسطين. وبالتالي نحن أمام عشرة خيارات مصيرية لدولة اسرائيل في فلسطين تحكمها وتتحكّم بها عوامل الدين والجغرافيا والتاريخ والايديولوجيا والديموغرافيا والتكنولوجيا والسياسة الدولية.

فلسطين التاريخية

1 - خيار دولة فلسطين التاريخية وذلك استناداً إلى قاعدة مملكة داود. فلداود الملك موقع خاص ومرجعي ومميّز داخل التاريخ اليهودي: فهو الذي انتصر على جوليات، وهو الذي وحّد أسباط اسرائيل الاثني عشر. وهو الذي أكّد وثبّت مركزية ورمزية مدينة أورشليم كقاعدة اساسية للشعب اليهودي. ولذا، واحتراماً لهذا الدور اعتمد الشعب اليهودي «نجمة داود» شعاراً له.

2 - خيار دولة فلسطين الموسعة وذلك بسعي من اليهود لتوسيع حدود فلسطين. وقد بدا ذلك من خلال مناقشات الأمم المتحدة في الاربعينات من القرن الماضي ومن ثم في مختلف حروب اسرائيل مع الدول العربية. وقد عمدت في معظم المراحل إلى تجاوز قرارات الأمم المتحدة: سعةً وتقسيماً واضافات.

3- خيار دولة اسرائيل القائمة في الأساس على المدى الجغرافي لأرض فلسطين ولكن ضمن شرط لا بدّ منه ولا غنى عنه وهو أن تكون دولة بحدود آمنة يمكن الدفاع عنها: وهو خيار صاغته عبقرية هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي ووزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق: وهو ذو أصول يهودية ألمانية.

4 - خيار دولة اسرائيل المسيّجة بحدود فاصلة بينها وبين المحيط الجغرافي والديموغرافي المحيط بها وهو محيط عربي – سنيّ. وقد عمدت اسرائيل فعلاً إلى انشاء مثل هذا الحائط في بعض الأماكن الحدودية كي تفصل بشكل مباشر وكامل بين اليهود والعرب.

5 - خيار دولة اسرائيل غير المهدّدة بالتفوّق الديموغرافي العربي - السني من خلال بطون النساء الحوامل، ذلك أنّ معدل الولادة لدى المرأة اليهودية يتراوح بين 1 إلى 2، في حين أنّ هذه النسبة هي بين 3 إلى 7 أولاد لدى المرأة العربية. هذا يعني أنّ اسرائيل، حتى إن كانت متفوقة بالقدرة العسكرية بما فيها النووية، فإنّها معرّضة للامتصاص الديموغرافي. وهذا هو موضوع كتابنا الذي بعنوان «إستهداف أهل السنّة».

6- خيار دولة اسرائيل ككيان سياسي اجتماعي طبيعي في محيطها الجغرافي – الديموغرافي وليس ككيان غريب كلياً عن هذا المحيط. وفي هذا المجال يقوم صراع عقائدي بين التوجهات القومية والصراعات الاتينية. وفيها أنّ اسرائيل لا يمكن أن تعيش في هدوء وأمان في منطقة هي جسم غريب عنها.

7 - خيار دولة اسرائيل بايديولوجية قومية يهودية صرفة وأكثر بدولة ليست اسرائيل بل الدولة اليهودية، وعاصمتها القدس وهو ما شدّد عليه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ومن هنا موقفه من القدس الشرقية ومثل هذه النزعة الشوفينية تزيد من الفرقة بين العرب واليهود.

اللاعودة للاجئين

8 - خيار دولة اللاعودة للاجئين الفلسطينيين وبالتالي حذف وانقاص أكبر عدد منهم خلال توطينهم في البلدان التي لجأوا اليها. وهو ما يفسّر التلاعب اللغوي (حتى باللغة العربية) في قرار مجلس الأمن... حيث استبدل تعبير «حق العودة» بتعبير آخر ملغوم وهو «الحق بالعودة» لكي يرتبط حرف الجر بحالة شرطية غير متاحة مما يصعّب حق العودة.

9 - خيار الدولة الاقلوية في جملة الدويلات الأقلوية في منطقة الشرق الأوسط بدءاً بسوريا حيث يصبح لكل أقلية دولتها وهو ما تشهده المنطقة في المرحلة الحالية، وطبيعي أن تكون اسرائيل، ليس فقط مرحّبة به، وإنّما مشاركة فيه: تصوّراً وتنفيذاً.

10 - دولة الخيار الوحيد المفروض - دولة اللاخيار. وهو المتعلق بمصير اسرائيل. فإذا وجدت اسرائيل انّها أمام تحدّ وجودي، أي أمام خطر حقيقي يهدد وجودها وكيانها كدولة تصبح امام خيار وحيد مفروض عليها وهو ما يسمى في علم الجيو- استراتيجيا حرب اللاخيار.

ومعنى ذلك أنّ الدولة لا يعود أمامها مجال لتعدد الاختيارات بين خيار وآخر. بل تصبح أمام خيار وحيد، وهو هنا بالتأكيد، وفي وضع اسرائيل: الخيار النووي إذ يصبح عليها استخدام أسلحة الدمار الشامل لحفظ وجودها.

إنّ ما حدث في اسرائيل مؤخراً، وما زال يحدث، وما سيحدث مستقبلاً، مؤشرات واضحة وصريحة ومعبّرة عن طبيعة العلاقة الحقيقية بين اسرائيل اليهودية والشعب العربي في فلسطين وفي العالم العربي. فلقد كانت موجة التصالح مع اسرائيل تكبر وتتسع في العالم العربي انطلاقاً من الخليج. لكن هذه الموجة جوبهت بموجة تباعد وعنصرية من جانب اليمين الاسرائيلي الحامل لأختام السلطة في اسرائيل اليوم: عبر الانتخابات... وعبر الحكومات... وعبر الاغتيالات!

فهل من سينصح انطوني بلينكن والرئيس جو بايدن بأن المطلوب ليس المغامرة السياسية في اسرائيل بل القدرة على توجيه نفسية شعبها نحو الاتجاه الطولاني وليس الدائري للتاريخ! إنّه المأزق الذي يعيشه الشعب اليهودي منذ أكثر من الفي سنة من التاريخ. وإنّه في كل هذا شعب الفرص الضائعة!!

(*) باحث في الفكر الجيوسياسي


MISS 3