توافد الجمهور من مناطق مختلفة الى المسرح الذي عجّ بالحاضرين المتشوقين لساعة من الرفاهية المطلقة. لا ستارة مغلقة، بل كنبة صالون تتوسط الخشبة وخمسة أبواب تشكل قوام شقة "زير نساء". يدعوك صوت نسائي الى الجلوس وربط الحزام استعداداً للاقلاع. ليست القصة بجديدة فهي مستمدة من مسرحية Boeing Boeing للكاتب الفرنسي مارك كاموليتي الذي جال عمله أكثر من 55 بلداً وعرض بلغات مختلفة كانت أشهرها الفرنسية طبعاً. هي قصة "الجيغولو" برنار (رودريغ سليمان) الذي اختار الارتباط بعلاقات عاطفية مع نساء ثلاث دفعة واحدة: الاميركية جاكلين (ساره عطا الله) والفرنسية جانيت (كاتي يونس) والالمانية جوديت (ناي أبو فياض).
أما كيف استطاع برنار الافلات من فضيحة الخيانة الثلاثية فلأنّ الحبيبات مضيفات طيران، ما سمح له بجدولة جرعات اللقاءات الحميمة معهنّ على هوى ساعات الاقلاع والهبوط بحيث لا تتضارب المواعيد بين العشيقات، فلا يلتقين أبداً، ولا تدرك واحدة بما يرتكبه برنار مع غيرها خلف الابواب الموصدة في غيابها.
إقتبس جعارة النص مبقياً على جوهره إلا انه أدخل عليه تغييرات طفيفة في المضمون تتلاءم مع أيامنا. "الغرام هو الغرام والخيانة الزوجيّة لم تتغير حتى مع مرور الزمن"، يشير جعارة.
يقوم نجاح المسرحية، فضلاً عن السيناريو المحكم البعيد عن الرتابة والحبكة الفكاهية اللذيذة، على براعة الجميع في التمثيل. فرودريغ سليمان أبدع في تجسيده دور الخواجة برنار بحرفية عالية في التمثيل فبدا واثقاً ومتمكّناً كما لو أنه لا يمثل بل يمارس شخصيته بشكل إعتيادي.
أما جوزيان بولس (مدبرة المنزل وداد) فليست غريبة عن النجاح في الادوار الكوميدية. عفويتها التلقائية تجعلها ملكة في المجال مع أداء خفيف الظلّ نراه منها كلما أطلت في مسرحية. فمدبّرة المنزل المتواطئة مع سيّدها برنار كانت لولب المسرحية، كيف لا وهي كاتمة أسراره التي تعدّ وجبات الغداء والعشاء حسب أهواء كلّ من العشيقات.
أما الاكتشاف الكبير فكان الممثل سني عبد الباقي الذي أدّى دور روبير صديق الخواجة برنار، القادم من بلدةٍ جنوبية لزيارة صديقه غير عالم بتعدد علاقاته الغرامية فبات من حيث لا يدري شريكاً متواطئاً للتستر على صديقه ومساعدته على عدم كشف الحقيقة. أبدع ساني في التمثيل، كان خفيف الظل، رشيقاً في الحركة الى اقصى حدّ، متنقلاً بسرعة جنونية وبسلاسة منقطعة النظير من باب الى آخر، ليقطع بجسده المنتصب أمام الباب الطريق امام اكتشاف المرأة لغريمتها خلف الباب. أبهرنا عبد الباقي بأدائه خصوصاً وهو ينقل لنا بلغة الجسد ارتباك روبير الشاب "العفيف" الطاهر غير الملمّ بسلوك "الدونجوانية" أمام أجساد النساء وسيقانهن العاجية. أداءٌ متماسك وحرفيّ لشاب نتوقع له مستقبلاً واعداً.
وأضافت العفوية في الاداء والتمثيل التي تميّز بها الممثلون جميعاً حتى في القبلات المتبادلة جواً لطيفاً بعيداً عن التكلّف والزيف. لم يترك الممثلون للجمهور مجالاً للملل. أعادوا ببراعتهم الى المسرح الكوميدي زهوه فتصالحنا معه. كنا متعطّشين الى الضحك فتزوّدنا بما يكفي به لأيامنا القاتمة.
* تستمرّ المسرحية يومياً على مسرح "مونو" في الاشرفية ما عدا الاثنين حتى 24 شباط 2023