يوسف مرتضى

لا رهان على الإجتماع الباريسي: الدول تهتم بالمصالح لا بالقيم

6 شباط 2023

02 : 00

آن للبنانيين أن يقتنعوا بمقولة «ما حك جلدك مثل ظفرك»، في لبننة الاستحقاق الرئاسي. فبلدان العالم بمعظمها، من المحيط الإقليمي إلى قلب القارات الكبرى، تعاني اليوم من أزمات تشغلها عن الاهتمام بأي شيء آخر، إلّا إذا كان هذا الآخر يؤمّن لها مصلحة تعينها على معالجة أزماتها. لقد علّمتنا التجارب على مدى التاريخ أقله الحديث منه، أنّ أعتى الديمقراطيات ودعاة حقوق الإنسان، بوصلتهم كانت دائماً ولا تزال المصالح وليس القيم، وتحديداً المصالح الأمنية والاقتصادية. ولا أستثني من ذلك أي دولة في الشرق والغرب. وتبقى فلسطين المحتلة وحقوق شعبها المستباحة، نموذجاً شاهداً للعيان عن أداء المجتمع الدولي المنحاز للمصالح منذ خمسةٍ وسبعين عاماً.

المنظومة الحاكمة الفاسدة في لبنان التي أفلست الدولة وعطّلت الدستور وأطبقت على القضاء وقتلت العدالة واعتمدت سياسة الإفلات من العقاب نهجاً على مدى عقود من الزمن، نعمت بتعويم دولي في قصر الصنوبر إثر جريمة العصر في مرفأ بيروت، من قبل رئيس دولة شكّلت منارة في التاريخ الحديث لقيم الحرية والعدالة، عندما تغلّبت مصلحته الانتخابية ومن ثم مصلحة بلاده الاقتصادية بالشراكة مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في إعادة بناء المرفأ والكهرباء والتنقيب عن النفط والغاز واستجراره... على تلك القيم، بعد أن كان هو بنفسه، أي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من وصف المنظومة اللبنانية الحاكمة بأبشع النعوت وطالب بقبعها.

واليوم حيث بات اللبنانيون يرزحون تحت أعباء أسوأ وأخطر أزمة معيشية، وحيث إن مؤسسات الدولة في لبنان تشهد تحللاً وشللاً في مختلف قطاعاتها، ولا سيما القضاء، وفراغاً في سدة رئاسة الجمهورية، وحكومة تصريف أعمال ممنوعة من الصرف، وحيث يمتنع النواب اللبنانيون عن الحضور إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية في جلسة واحدة بدورات متتالية وفق ما يمليه عليهم واجبهم الدستوري، يبادر الرئيس ماكرون للدعوة إلى اجتماعٍ خماسي في باريس، فرنسي- أميركي- سعودي- مصري- قطري، في السادس من شباط الجاري، تحت عنوان بحث الأزمة اللبنانية. تأتي هذه الدعوة بعد استعصاء انتخاب رئيس للجمهورية بالحسبة اللبنانية الداخلية وقد انقضى أكثر من أربعة شهور على خلوّ سدّة الرئاسة. وبات الرأي العام اللبناني وفي مقدمهم أفرقاء الطبقة السياسية الحاكمة ينتظرون الترياق الباريسي المرجّح لكفة مرشح فريق على مرشح فريق آخر.

أفرقاء الاجتماع الباريسي بالظاهر يميلون إلى مناصرة مرشح رئاسي لا يخضع لإملاءات قوى الممانعة، أما الفريق الثاني الإقليمي والدولي المناصر لمرشح الممانعة والمغيّب عن اللقاء الباريسي، فيملك أوراق قوة تدغدغ مصالح الفريق الأول وهو قد خبره في الميدان، أنجز الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل ويحميه، وهي مصلحة إسرائيلية - مصرية وأميركية - فرنسية بامتياز. يملك ورقة أمن القوات الدولية في جنوب لبنان، يملك ورقة الملف اليمني، والسوق الاستثمارية الإيرانية المغرية لرؤوس الأموال الغربية… في حسبة باريس على ما أعتقد ستطرح الميزات التفاضلية في حساب تأمين الاستقرار، وهو مطلب الجميع، واحتساب المصالح لهذا الفريق أو ذاك ومن هو الأقدر على تأمينها من قوى الأمر الواقع اللبناني، وعندها ستوضع في ميزان المصالح سلة المرشحين المرغوبين من خماسية باريس ومن منافسيهم المدعومين من الفريق الآخر.

وبقراءة عميقة وموضوعية لحيثيات ما تقدّم سيخلص الاجتماع على ما أعتقد كما خلصت إليه اجتماعات الرياض ونيويورك وباريس الثلاثية، بمشاركة الأميركي، والفرنسي، والسعودي:

- دعوة اللبنانيين إلى انتخاب رئيس من دون تبني أي مرشح.

- دعوة السلطات اللبنانية لإنجاز الإصلاحات المطلوبة تسهيلاً لانفتاح صندوق النقد الدولي على لبنان.

- التأكيد على دعم الاستقرار في لبنان وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب اللبناني.

وهكذا تبقى الكرة في ملعب القوى السياسية اللبنانية ودعوتهم للاستجابة إلى مبادرة النائبين ملحم خلف ونجاة صليبا ونواب التغيير بالإسراع في عقد جلسة نيابية بدورات متتالية لانتخاب رئيس تطبيقاً لمواد الدستور وفق قواعد الديمقراطية، كمدخل ضروري لإعادة بناء السلطات والتصدي للأزمات التي تعاني منها البلاد.

وهي مجدداً دعوة للبننة الاستحقاق الرئاسي وتصفير الانتظارات من الاجتماع الباريسي.


MISS 3