شربل داغر

بلاد بين الغلبة والطاعة

6 شباط 2023

02 : 01

إذا كانت دول الاستعمار رسمت حدوداً لهذه البلاد، وأقامت لها كيانات ودساتير ومؤسسات، فضلاً عن إدارات لها، فإن ما رسمتْه سنواتُ الاستقلالات من تباشير واعدة، بل مؤكدة للتأسيس الجديد، لم يستمر، ولم يجد في بنية المجتمع العميقة ما يسهله، ويُثبته، ويؤكده.

هذه الدول ناشئة كانت ولايات عثمانية (ما عدا المغرب الأقصى وعُمان)، أو وحدات منها، طوال خمسة قرون.

وهو ما عاشتْه قبل ذلك، في سابق الأمبراطوريات ذات السند الإسلامي، إثر "الفتح" الإسلامي.

في هذه الترسيمة السياسية، عاشت هذه المجتمعات وفق المعادلة التالية: الغلبة من جهة القوة الحاكمة، والطاعة من جهة المحكومِين.

وهي بالتالي لم تعرف، في هذه التجارب الممتدة، ما يتيح لها فعلاً إقامة دول وحكومات ودساتير، لا في نهايات السلطنة العثمانية، ولا بعد جلاء حكم الاستعمار.

ومن يَعُدْ إلى عهد "الحكومات الوطنية" (كما أطلقوا عليها)، يتحقق من أنها كانت حكومات، ووطنية، تحت الرقابة الاستعمارية، أي أن الإدارة السياسية الأجنبية هي التي أتاحت قيام انتخابات وأكثريات وأقليات ليس إلا.

في ما خلا ذلك، عرفنا "الثورات" ( كما أُطلق عليها)، وهي "انقلابات" عسكرية واقعاً، وانتهت إلى تحكم الاستخبارات الداخلية والخارجية بالحكم، وإلى "تأليه" القائد.

حتى لبنان، الذي نعم بمقادير من الصراع الداخلي المفتوح، انتهى مع حروب 1975 وما نجم منها إلى تحكم العسكر بالحكم: تحكم ميليشيا بغيرها، واختيار قائد الجيش في رئاسة الجمهورية.

هذا يُسقط الكلام الكثير عن الأيديولوجيات بوصفها علامة الوجود السياسي: ماذا عنى الكلام عن "الاشتراكية" و"اليسار"، و"الأنظمة التقدمية" وغيرها في دول ما لبثت أن تكشفت عن أبشع أنواع الوراثة السياسية؟

أكان هذا الخطاب السياسي يُعاين، ويُسمي واقع هذه الانظمة، وأحوال المجتمعات في أحوالها وتغيراتها، أم كان يَدرس ويَفحص "الأقنعة" والألسنة الخطابية لهذه الأنظمة؟

كيف نسمي هذا النظام أو ذاك "علمانياً" فيما ينبني تحكمُه على تفرد جماعة مذهبية بالحكم، وبرعاية "قائد"؟

لنا ان نقولها ببساطة: ما نأمل به لهذه البلاد ليس في مستطاعنا، وليس في مستطاعها ربما...

فالتاريخ ليس بتصرفنا، مثلما يبشر بذلك "بيان" الثورة رقم واحد، ولا "البيان التأسيسي" للحزب المعارض...

تاريخ أصعب، من أن يُدار بجرة قلم، أو بأماني الحالمِين، من دون بنى المجتمع التي لا تزال أكيدة: في غلبتها كما في طاعتها.