مايا الخوري

المخرج أمين درة: الدراما الرقمية رفعت مستوى التحدّي والإنتاج

6 شباط 2023

02 : 01

أمين درة وجورج خباز في شخصية يوسف تامر

حرّر الدراما من الشاشة الصغيرة مطلقاً رحابها في عالم الإنترنت، عبر مسلسله "شنكبوت" الذي حقق نسبة مشاهدة مليونية. وكان أوّل من دخل عالم الفانتازيا والخيال العلمي في مسلسل "باب الجحيم" المرتقب عرض موسمه الثاني عبر "شاهد". هو المخرج أمين درة، الذي وقّع أخيراً مسلسل "براندو الشرق" من تأليف الكاتب والمخرج جورج خبّاز، في تعاون متجدد بعد حصد فيلمهما "غدي" الجوائز العالمية.

بعد تعاونكما في فيلم "غدي"، قدّمت وجورج خبّاز مسلسل "براندو الشــــــــــرق"، كيف تقيّم تعاونكما المستمرّ؟

بعدما تعاونّا في فيلم "غدي" جمعتنا الصداقة إلى جانب المهنة، فاستمرّت لقاءاتنا بجلسات صداقة وعمل لتبادل الأفكار، حتى تكوّنت صورة "براندو الشرق" كمسلسل قصير، عرضناه على شركة الإنتاج التي تحمّست لتنفيذه. فاتخذ التعاون الحالي منحى جدياً أكثر، جاء استكمالاً للتعاون الأول، متميّزاً بسلاسة وسرعة في العمل خصوصاً أننا أصبحنا متفاهمين أكثر.

يتميّز نص جورج خبّاز بالمزيج ما بين الكوميديا والدراما، أي دور لعبت كمخرج لتظهير هذه الناحية؟

أشير بداية إلى أنني من محبّي أعمال جورج خباز المسرحية، نصاً وتمثيلاً، كما يحبّ أسلوبي في الإخراج. يرتكز دوري كمخرج على إيصال جوهر النصّ في أي عمل أتولّى تنفيذه. أصف نصّ جورج بخليطٍ صعبٍ ودقيقٍ، ما يحمّس إخراجياً على البحث في التفاصيل وفي كيفية إظهار التوازن والإنقلاب بلحظة ما بين الضحك والدراما في المشهد الواحد، بطريقة سلسة ودقيقة.

تقلّبت شخصية "يوسف تامر" وفق الأحداث والشخصيات، فأي تحديات واجهت للمحافظة على صورة موحّدة لتلك الشخصية في كل الحلقات؟

تميّزت شخصية "يوسف تامر" الجميلة جداً، بخليط رائع ما بين قصته الحقيقية وما يحاول أن يكون، وأظنّ أن جورج أحبّ كثيراً هذه الشخصية التي اشتغلنا على إظهار التفاصيل المملة في وجوهها المتعددة وتقلباتها مع نفسها وعمقها الحقيقي، كما في إختلاف تصرفات "يوسف" مع والده ومع المنتجين ومع سلوى. أركّز في عملي أساساً على شغفي في إدارة الممثلين، فشكّل اللعب على تقلبات هذه الشخصية وإعطائها أوجهاً مختلفة بطريقة سلسلة مقنعة، تحدياً جميلاً ومحمّساً في الوقت نفسه على صعيد الإمساك بها ودوزنتها ودفعها إلى التطوّر بالخطّ الصحيح. من هنا نلحظ التغيير الذي طرأ على "يوسف تامر" ما بين إنطلاقة المسلسل ونهايته، والذي فرض تأنّياً في كيفية التعاطي معه.

كيف تصف تجربة الممثلة أمل عرفة في دور "سلوى" وثنائيتها مع جورج خباز؟

شهادتي مجروحة بقيمتها التاريخية وحضورها الفنيّ والإنساني، فهي قيمة مضافة لا تُقدّر. أصف تعاوني معها بالرائع، لأنها فنانة بكل ما للكلمة من معنى. أعطت بُعداً معيناً لعملها ولشخصية "سلوى" التي صقلتها. تبدو هذه الشخصية في الظاهر سهلة وبريئة لكنها صعبة جداً في العمق. برأيي، ما من أحد غيرها يصيب في هذا الدور ويمنحه البعد المطلوب.

أمّا على صعيد ثنائيتها مع جورج خبّاز، فكانت مُحمّسة جداً. لقاؤهما أشبه بلقاء عملاقين لكل منهما خصوصيته، ما أضفى رهبة معينة على الأجواء. إنما شعرنا منذ القراءة الأولى للنصّ بتناغمهما الكبير الذي انعكس قدرات فنية عالية عبر الشاشة. لقد حلّقا في بعض المشاهد الثنائية، مثل مشهد إعترافها له بحبها والمشهد النهائي الذي جمعهما. برأيي ما كان ليتحقق هذا الإحساس لولا ثنائيتهما.

لاحظنا مشاركة ممثلين قيّمين كضيوف في العمل، أي إنعكاس لحضورهم على مستوى المسلسل؟

شكّلت مشاركتهم قيمة مضافة جداً للعمل، وأذكر في هذا الإطار مشاركة الأستاذ كميل سلامة ولورا خبّاز وطلال الجردي وجهاد السعد وايلي متري وفؤاد يميّن وميا سعيد، إضافة إلى إطلالة ضيوف قيّمين مثل عبد المنعم عميري وزينة مكّي وغبريال يميّن وعادل كرم وجوزف آصاف وسعيد سرحان ومحمد عقيل وحسن فرحات وسينتيا كرم وعمر ميقاتي وجوزف ساسين. شكّلت تلك الأسماء إضافة إلى العمل مانحة إيّاه بعداً جميلاً إنعكس إيجاباً على النتيجة. لا بدّ من شكر الأستاذ صادق الصباح وزياد الخطيب كونهما لم يدعما هذا العمل فقط، بل أحاطاه بكل ما يلزم ليتخذ شكله الذي عُرض فيه.



درة يعطي توجيهاته في كواليس براندو الشرق




عكس الفيلم واقعاً مأسوفاً عليه لكيفية سير القطاع الإنتاجي في العالم العربي، ما رأيك في طرحه هذا الموضوع؟

أقدّر تبنّي الأستاذ صادق الصباح وشركة "الصبّاح" لموضوع الإنتاج في العالم العربي. لا يقتصر الأمر على عملية نقدٍ مجّانية، فنحن نحكي عن عالم، يبقى مفهوم اللعبة فيه واضحاً. تحصل بعض الأمور بهذه الطريقة أو بطريقة مختلفة إنما من الجيّد تبنّي أعمال فنية مثل "براندو الشرق". نشكر الأستاذ صادق لتبنيه مشروعاً مماثلاً رغم أنه ينتقد نوعاً ما القطاع الإنتاجي. من الجيّد التحدث علناً عن هذه الأمور، فثمة أنواع عدّة في كل قطاع مهني، تسير بطرق مختلفة وبخطوط مختلفة تحتمل الإنتقاد.

هل يكفي برأيك تقديم فيلم سينمائي ناجح للإنطلاق في هذا المجال المهني والإستمرار فيه؟

لكل مخرج طموحاته وأحلامه، إنما يظنّ بعض الشباب بأن فيلماً واحداً قادر على رفعه، لكننا نكتشف على أرض الواقع، وخصوصاً عند مراقبة مسيرة المخرجين المخضرمين، أن فيلماً واحداً لا يكفي للإنطلاق ولا يؤكد على الإستمرارية. إن القاعدة المشتركة للنجاح والإستمرارية هي الثبات والتعامل مع أي مشروع جديد على أنه العمل الأول والأهمّ. أعتمد هذه الطريقة لأن لكل عمل خصوصيته، ولأن الثبات والإستمرارية والتوق إلى التجدد وتقديم الأفضل هو ما يؤدي إلى النجاح الفعلي.

قدّمت أول مسلسل عربي درامي "شنكبوت" الذي عُرض عبر الإنترنت، كيف تنظر إلى الدراما الرقميّة راهناً وما أهميتها على صعيد تطوّر الصناعة الدرامية؟

عندما قدّمنا مسلسل "شنكبوت" عامي 2009-2010 كانت المنصات مجرّد فكرة بعيدة جداً. أردنا من خلاله تقديم ما يشبهنا بعفوية وحماس من دون الإلتزام بضوابط التلفزيون وقوانينه. يحرّكنا شغف التغيير، وتقديم مواضيع حرة تشبه واقعنا الإجتماعي المعاش، لا دراما تأتي من عالم الإقطاعية والقصور. تفاجأنا بالنتيجة التي حققها وإنعكاسه على الناس، حيث سجّل في الحلقة الأولى عام 2010 مئة ألف مشاهد وتخطّى مجموع المشاهدين خلال عامين مليون مشاهد. أثبت في حينها أن هناك من يرغب في مشاهدة أنواع درامية أخرى، لافتاً النظر نحو الإتجاه الذي من الممكن أن تسير به الدراما وعالم الترفيه والأعمال الفنية في العصر الحالي. أمام هذا الواقع، لا مفرّ من الدراما الرقمية حيث يختار الجمهور مسلسلاته المفضّلة وما يريد مشاهدته ساعة يشاء. ما أفسح في المجال أمام الإبداع والإبتكار ورفع مستوى التحدي، ونشاط أوسع من خلال طرح أفكار جديدة.






إتجه عدد من المخرجين الدراميين ومخرجي الكليب إلى الدراما الرقمية، ما التحفيزات التي تقدّمها تلك المنصّات؟

يحلم كل مخرج بتقديم قصة خاصة به، لذا نرى حماسة تجاه الدراما الرقمية التي أفسحت في المجال أمام خوض محاولات وتجارب جديدة، خصوصاً أن ثمة وفرة في الإنتاج لأن المنصات تسعى لتقديم خيارات أكثر تحاكي مختلف الأذواق، ما أمّن فرصاً إضافية لإنخراطهم في الدراما الرقمية التي تتميّز بتقديم مسلسلات محدودة الحلقات.

لا بدّ من ذكر مسلسل "باب الجحيم" الذي حكى المستقبل بإطار الفانتازيا والخيال العلمي، واستوجب بناء ستوديو مجّهز بالتكنولوجيا المتطوّرة لتصويره، كيف تصف تلك التجربة وهل يمكن تكرارها؟

إتّصف هذا المسلسل بالجرأة الكبيرة والتحدي على صعيد تقديم عملٍ بإطار خيالي علمي فرض إنتاجاً ضخماً جداً. هناك مطالبة جماهيرية بالتنويع على صعيد الأنواع الدرامية والقصص المطروحة، لذا رأينا حماسة تجاهه. أشكر السيدين صادق الصباح وزياد الخطيب و"سيدرز أرت" لدعمهم هذا المشروع، والمخاطرة به. لقد حقق أهدافه كعملٍ درامي حاصداً ردود فعل إيجابية جداً رغم محدودية الجمهور الذي تابعه كونه فريداً من نوعه ومسلسلاً مبتكراً على صعيد القصة البعيدة من الواقع والزمان الذي نعيشه ولكنه يحمل رسائل بسيطة.

لقد حضّرنا الموسم الثاني ليعرض قريباً عبر منصة "شاهد" التي تسعى دائماً للتنوّع بهدف مواكبة إهتمامات الجمهور كافة.

هل يختلف التحدي ما بين إخراج فيلم سينمائي وتقديم عمل درامي؟

إختلف إخراج الفيلم السينمائي سابقاً عن الدراما، إنما مع اقتصارها على 10 حلقات بمعدّل نصف ساعة عرضٍ تقريباً عبر المنصّات، بتنا نتحدث عن فيلم طويلٍ نسبياً، وبالتالي تقاربَ النوعان. ولكن تبقى رهجة الفيلم السينمائي متمايزة، حيث يقصد الرواد الصالة لمشاهدة الفيلم عبر شاشة ضخمة توضح التفاصيل الدقيقة التي لا تظهرها شاشة البيت، وبإيقاع مختلف. فضلا عن طغيان الطابع الشخصي على الفيلم السينمائي الذي تختلف مواضيعه عن الدراما.

ما الطموحات التي تطبع المرحلة المقبلة؟

يرتكز طموحي شخصياً على تقديم أعمال تُعجب الجمهور، أكون مقتنعاً بها. فضلا عن تحقيق تطوّر محلي على صعيد النصوص والقصص والخيارات ومستوى التمثيل، إنه طموح لرفع المستوى والتطوّر، والبحث عن تجارب جديدة ومحاولات تحمّسنا وتجعلنا نتجدد في كل عمل.


MISS 3