ريتا ابراهيم فريد

بعد توقيع روايته "مثل قصيدة على جدار زنزانة"

شادي ذبيان: القصائد عمل ثائر لا يمكن النيل منه

7 شباط 2023

02 : 01

شادي ذبيان موقّعاً روايته
من التحفيز على القراءة، يستكمل شادي ذبيان إصراره على تعزيز الحضور الثقافي. هو صاحب مبادرة "كل جمعة كتاب" التي يطرح فيها كتباً أسبوعية للمناقشة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وقّع الأسبوع الماضي روايته الجديدة التي تحمل عنوان "مثل قصيدة على جدار زنزانة" الصادرة عن دار الفارابي، ضمن أمسية شعرية غنائية على مسرح المدينة في الحمرا. "نداء الوطن" تواصلت مع ذبيان الذي تحدّث عن ظروف إصداره الرواية وعن العلاقة التي تربط بين القصيدة والزنزانة.

أن تصدر كتاباً في هذه الظروف، أمر يشكّل بحدّ ذاته تحدياً. ما الذي أعطاك اندفاعاً للقيام بهذه الخطوة؟

عليّ أن أشير الى أنّ الرواية جاهزة منذ فترة، وسبق أن أرسلتها الى دار النشر التي وافقت عليها. لكن ما حفّزني كي أصدرها اليوم، هو أنني سوف أنتقل قريباً للعيش في كندا، وإصدار هذا الكتاب كان صفحة يتوجّب عليّ طيّها قبل أن أسافر. بالتالي، سفري شكّل المحفّز النهائي لهذه الخطوة.

انطلاقاً من عنوان الكتاب، عن أي نوع من الزنزانات تتحدّث؟

الرواية تتمحور حول فكرتين أساسيتين: السجن الذي يرتبط بنظام سياسي يعتقل الأفراد من أجل قضية يؤمنون بها، وليس بمجرمين يتلقّون عقابهم عن سرقات أو ما شابه. وفكرة الفقر في ظلّ غياب العدالة الإجتماعية. وأنا قمتُ بدمج هذين المفهومين الكبيرين في الرواية. فالقصة تتحدّث عن إنسان فقير يواجه الحكم بالإعدام وينتظر تنفيذه بعد ستة أيام. وتدور الأحداث خلال هذه الأيام الستة. فهذا الإنسان المحكوم خرج من الحياة، لكنّه لم يدخل بعد الى الموت. وهُنا يعيد النظر في كلّ المفاهيم التي عاشها، ويعيش تخبّطات وجودية. كما أنّه يحدّد الوقت من خلال وجبات الطعام التي يحضرونها له، ويعدّ الأيام المتبقية من حياته على أساسها. ثم يأتي حدث معيّن في الرواية يشتّته عن التعداد. وأترك بقية الأحداث للقراء.

كيف خلقت إذاً هذا الرابـــــــط بيـــــن القصيدة والزنزانة؟

خلال حفل التوقيع كان هناك مغنّ ومعه شخص يعزف على العود، أدّيا أغنية كنتُ أرغب في أن تكون حاضرة في الحفل منذ أن بدأتُ كتابة الراوية. هي قصيدة تعود الى أربعينات القرن الماضي، عُثر عليها في سوريا داخل زنزانة خلال مرحلة الإنتداب الفرنسي، وكانت مكتوبة على الجدار ويرجّح أنّ نجيب الريّس هو من كتبها. وبالتالي هي قصيدة على جدار زنزانة، ومن هُنا استوحيتُ عنوان الكتاب. وجاء فيها: "يا ظلام السجن خيّم نحن لا نخشى الظلام... ليس بعد الليل إلا فجر مجدٍ يتسامى"، علماً أنّ مضمون الرواية لا علاقة له بما حصل في سوريا أثناء حقبة الانتداب الفرنسي.

برأيك كيف يمكن للقصيـــــــــــــدة أن تساهم بزعزعة جدران الزنازين؟

مفهوم الزنزانة يشير الى البرد، والقصيدة هي الدفء. الزنزانة هي القيد، والقصيدة هي الحرية. الزنزانة هي السلطة، والقصيدة هي الشعب. هذا التناقض الكبير بين القصيدة وبين الزنزانة يشبه التناقض بين الأبيض والأسود. داخل الزنزانة يمكن للسجّانين أن يأسروا السجين من كلّ شيء، إلا من فكره. فحين يكتب قصيدة داخل دماغه لن يصل أحد إليها، وهي بالتالي تجسّد العمل الثائر الذي لا يمكن النيل منه. مع الإشارة الى أنّ قصائد كثيرة كُتبت داخل السجون في بلدان عدة. فالشاعر المصري أحمد فؤاد نجم مثلاً كتب معظم قصائده في السجن حيث بقي 18 سنة. والكاتب فرج بيرقدار في سوريا. وصولاً الى فلسطين، حيث كتب الشاعر محمود درويش قصيدته الشهيرة "أحنّ الى خبز أمي" داخل السجن. وهُنا يمكن القول إنّ الحالة النفسية للأسير أو السجين هي التي تتولّى تنفيس طاقته وقدرته على التعبير.



مثل قصيدة




كتبت على الغلاف: "على الإله أن يجثو أمام طفل مشرّد فقد والده ويطلب المغفرة". هي عبارة صادمة وقاسية، ألم تخشَ أن يتّهمك البعض بالكفر؟

أنا أؤمن بحرية الإنسان في التعبير عن أفكاره، ويمكن للبعض أن ينتقد هذه العبارة بالتأكيد. فأنا بدوري لطالما سمعتُ و قرأتُ آراء أزعجتني، لكنّي كنتُ وما زلتُ أدافع عن حقّ الجميع في قولها. وبالعودة الى قسوة هذه العبارة، تلقّيتُ تعليقات من عدد من القراء بأنّ الرواية بحدّ ذاتها قاسية، وكثيرون بكوا وهم يقرأونها. وأعتقد أن دغدغة مشاعر القراء ودفعهم نحو البكاء أصعب بكثير من تحريك مشاعر المشاهدين أمام فيلم، حيث تلعب الموسيقى التصويرية والمؤثرات السمعية والبصرية دوراً كبيراً في التأثير بهم. ومن ناحية أدبية، هذا يدلّ على أنّ الكاتب نجح في إيصال الرسالة ودفع القارئ كي يعيش المعاناة التي تحاول الرواية تجسيدها.

تقول إنّ القراءة مدخل لإعادة برمجة شخصية القـــــــارئ وتشكيلهـــــا بإطار مختلف. لكن كيف يمكن للكتابة أنّ تغيّر في شخصية الكاتب؟

هناك تكامل بين القراءة والكتابة. فهما جناحان للمفهوم ذاته. والقراءة تعزّز أفكار الكاتب وتساهم بتنمية مخيّلته كي يكتب بطريقة أفضل. مع الإشارة الى أنّني استلهمتُ فكرة روايتي من رواية "الغريب" لألبير كامو التي تنتهي حين يُحكم البطل بالإعدام. من هُنا ارتأيتُ أن أكتب رواية تبدأ حين يصدر حكم الإعدام، على أن تدور الأحداث خلال الفترة الزمنية الفاصلة بين إصدار الحكم وبين تنفيذه، رغم أنّ الشخصيات والأحداث في روايتي لا تمتّ الى رواية كامو بصلة.


MISS 3