طالَب بمواجهة السباق إلى التسلّح وباستقلاليّة أكبر لـ"القارّة العجوز"

ماكرون يدعو إلى "حوار أوروبي استراتيجي" حول "الردع النووي"

11 : 56

ماكرون بعد وصوله إلى الأكاديميّة العسكريّة في باريس أمس (أ ف ب)

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأوروبّيين بالأمس إلى تطوير "مزيد من قدرات التحرّك" في مواجهة الاضطرابات العالميّة، عبر مشاركة كاملة في المفاوضات المقبلة حول مراقبة التسلّح والتفكير في "ردع نووي" أكثر تكاملاً. وجاءت تصريحات ماكرون خلال خطاب حول استراتيجيّة فرنسا للدفاع و"الردع النووي"، ألقاه أمام ضبّاط فرنسيين وملحقين عسكريين في الأكاديميّة العسكريّة في باريس، بحضور وزيرَيْ الخارجيّة جان ايف لودريان والجيوش فلورانس بارلي.

وقال ماكرون إن الأوروبّيين لا يُمكنهم "الاكتفاء بدور المتفرّجين" في مواجهة السباق إلى التسلّح"، الذي يُمكن أن تُصبح قارتهم مسرحاً له. وفي استعراض للتقلّبات التي شهدتها مرحلة ما بعد الحرب الباردة، رأى الرئيس الفرنسي أن "العقد الأخير شهد تشكيكاً واسعاً في التوازنات الإستراتيجيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والتقنيّة والعسكريّة وفي مجال الطاقة، ويطلّ اليوم من جديد ما يُمكن أن يهزّ السلام المكتسب بعد الكثير من المآسي في قارتنا".

وهذا الخطاب المنتظر والذي استمرّ ساعة وربع الساعة، هو تقليد مفروض على كلّ رئيس فرنسي بصفته قائداً للجيوش وصاحب عقيدة "الردع النووي"، الذي تعتبره فرنسا أساس استراتيجيّتها الدفاعيّة والضمانة الكبرى لمصالحها الحيويّة.

وأضاف ماكرون أن العالم "يُواجه منافسة شاملة بين الولايات المتحدة والصين، وتفتّتاً متسارعاً للنظام القانوني الدولي، وتفكّكاً لهندسة مراقبة الأسلحة في أوروبا، وكلّها تحدّيات يجب أن يردّ عليها الأوروبّيون باستقلاليّة استراتيجيّة أكبر".

وأوضح الرئيس الفرنسي أن بلاده "مقتنعة بأنّ أمن أوروبا على الأمد الطويل يمرّ عبر تحالف قوّي مع الولايات المتحدة"، في مواجهة قلق بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي، خصوصاً في أوروبا الشرقيّة الذين يعتمدون على "حلف شمال الأطلسي" في أمنهم. لكّنه أكد كذلك أن "أمننا يمرّ أيضاً بشكل حتميّ بقدرة أكبر على التحرّك باستقلاليّة للأوروبّيين".

ويضع انسحاب واشنطن أخيراً من المعاهدة الروسيّة - الأميركيّة الموقّعة العام 1987 حول الأسلحة النوويّة المتوسّطة المدى، أوروبا من جديد في قلب سباق محتمل للتسلّح. وتحظر هذه المعاهدة الصواريخ التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر. كما تُهدّد واشنطن بعدم تجديد معاهدة "نيو ستارت" حول الأسلحة النوويّة الإستراتيجيّة، التي أُبرمت العام 2010 وتنتهي العام 2021.

وفي هذا الصدد، قال ماكرون محذّراً: "لنكن واضحين، إذا كان من الممكن التوصّل إلى مفاوضات واتفاقيّة أوسع، فنحن نرغب في ذلك"، مشدّداً على أن "الأوروبّيين يجب أن يكونوا مشاركين وموقّعين على المعاهدة الجديدة، لأنّ الأمر يتعلّق بأرضنا المتأثّرة والمهدّدة بذلك"، في حين رأى الخبير في مؤسّسة البحث الإستراتيجي في باريس بنيامين هوتكوفيرتور أن مثل هذا النقاش سيكون "غير مسبوق" بالنسبة إلى الأوروبّيين، إذ إنّ المفاوضات حصلت حتّى الآن فقط بين الروس (أو السوفيات) والأميركيين. وتساءل: "هل ستوافق موسكو وواشنطن؟"، مشيراً إلى أن "الأوروبّيين لديهم على الأرجح وزن أكبر وهامش مناورة في الأسلحة التقليديّة".

كما اقترح ماكرون على الدول الأوروبّية "حواراً استراتيجيّاً" حول "دور الردع النووي الفرنسي" في أمن أوروبا، من دون أن يُحدّد ما إذا كانت بريطانيا معنيّة بهذا الاقتراع بعد "بريكست". ولفت إلى أن "الشركاء الأوروبّيين الذين يرغبون في المشاركة في هذا الطريق، يُمكن إشراكهم في تدريبات الردع التي تقوم بها القوّات الفرنسيّة"، في وقت أصبحت فرنسا الدولة النوويّة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه. وأكد أن "بريكست" "لا يُغيّر شيئاً" في "التعاون حول القضايا النوويّة" بين باريس ولندن.

واعتبر ماكرون أن القوّات النوويّة الفرنسيّة "تُعزّز أمن أوروبا من خلال وجودها بحدّ ذاته ولديها في هذا المجال بُعد أوروبي أصيل"، مشيراً إلى أن "استقلال قرارنا يتطابق مع تضامن ثابت حيال شركائنا الأوروبّيين". وتابع: "لنكن واضحين، بات للمصالح الحيويّة لفرنسا بُعد أوروبي".

ومن دون أن يذهب إلى حدّ اقتراح تقاسم "الردع النووي"، وهي قضيّة بالغة الحساسيّة إن لم يكن الخوض فيها محظوراً، اقترح الرئيس الفرنسي على الشركاء الأوروبّيين المشاركة في تدريبات قوّات "الردع النووي" الفرنسيّة.

لكن إضافةً إلى استراتيجيّة الردع، سلّط الرئيس الفرنسي الضوء على التحدّيات الأوروبّية وعلى النقاش الأخلاقي في شأن السلاح النووي. وفي السياق، كشف ماكرون أن فرنسا التي تدعو إلى "ردع كاف"، تمكّنت من "تخفيض حجم ترسانتها إلى 300 رأس نووي اليوم"، قائلاً: "لدى فرنسا حصيلة أداء فريدة في العالم تتطابق مع مسؤوليّاتها ومصالحها على حدّ سواء، بعدما فكّكت بشكل لا رجعة عنه، مكوّنها النووي البرّي ومنشآتها للتجارب النوويّة ومنشآتها لإنتاج المواد الانشطاريّة للأسلحة، وخفّضت حجم ترسانتها إلى أقلّ من 300 رأس نووي".

وكان أحد قادة المحافظين الذين تقودهم المستشارة أنغيلا ميركل في ألمانيا، قد دعا الإثنين إلى أن يمتلك الاتحاد الأوروبي في المستقبل قوّته الخاصة لـ"الردع النووي"، واقترح جعل الترسانة الذريّة الفرنسيّة مشتركة، فيما أشار خبير قريب من الملف إلى أن "هناك انفتاحاً أوروبّياً حقيقيّاً يعتبره البعض حذراً". وقال إنّ "القضيّة لا يُمكن أن تُطرح كمظلّة نوويّة فرنسيّة"، معتبراً أن "الأمر يتعلّق بمزيد من استيعاب البُعد الأوروبي للردع الفرنسي من جهة، وتحفيز ظهور ثقافة ردع نووي مشترك في أوروبا من دون تدخّل الصديق الأميركي".


MISS 3