جاد حداد

The Gentlemen...عالم العصابات تحت المجهر!

8 شباط 2020

15 : 18

يُخرِج غاي ريتشي فيلم The Gentlemen (السادة المحترمون) من بطولة ماثيو ماكونهي بدور تاجر مخدرات أميركي يتفاوض مع عالم المجرمين في لندن، فيقدم كوميديا متقنة ومبنية على مناورات ذكية.

لطالما واجه الكاتب والمخرج غاي ريتشي الانتقادات بسبب الشخصيات الشريرة التي طغت على أفلامه الأولى: Lock, Stock and Two Smoking Barrels (قفل ومخزون وبرميلا تدخين) (1998)، Snatch (الخطف) (2000)، Revolver (المسدس) (2005)، RocknRolla (2008).يبدو أن ريتشي مستعد للاعتراف بتهمة تأثّره بأعمال الآخرين. فقد كان لامعاً بما يكفي في Snatch كي يختار براد بيت بدور متجوّل أيرلندي. وفي Revolver، جعل العالم السفلي في لندن أشبه بمتاهة من الغموض والماورائيات. في هذه الأفلام كلها، وحتى في Sherlock Holmes (2009)، و Sherlock Holmes: A Game of Shadows (شيرلوك هولمز: لعبة الظلال) (2011)، و King Arthur: Legend of the Sword (الملك آرثر: أسطورة السيف) (2017)، يستعمل ريتشي مقاربة أسطورية للهوية البريطانية ورموزها.

ينطبق هذا المبدأ أيضاً على أحدث فيلم له، The Gentlemen، الذي يسترجع خصائص أفلامه السابقة، تزامناً مع تذكير المشاهدين طوال الوقت بمكانته الأسطورية عبر طرح الأحداث على شكل سيناريو فيلم.يستعين رئيس تحرير حاقد (إيدي مارسان) بمحقق سيئ السمعة اسمه "فليتشر" (هيو غرانت) لملاحقة المغترب الأميركي وتاجر المخدرات "ميكي بيرسون" (ماثيو ماكونهي). هو يطارد عصابة "ميكي" منذ أسابيع فيما تتفاوض على بيع إمبراطورية المخدرات الضخمة التي تملكها للملياردير "ماثيو بيرغر" (جيريمي سترونغ) من أوكلاهوما. يتورط أعضاء عصابة صينية تشوبها خلافات داخلية، ومجرمون روس يسعون إلى الانتقام، وأرستقراطيون مفلسون، ومقتنصو فرص على يوتيوب (يدرّبهم كولين فاريل)، في هذه الحبكة التي تخرج عن السيطرة سريعاً، فيقدم "فليتشر" ملاحظاته إلى الملازم "رايموند" (تشارلي هونام) على شكل سيناريو، على أمل أن يستعمله الرجلان لابتزاز الآخرين وبيعه لشركة إنتاج.

لكنّ إعادة سرد الأحداث الحاصلة حتى تلك المرحلة عبر السيناريو الذي يقدّمه "فليتشر" بناءً على طرح مبالغات بذيئة أمام "رايموند" لن تعكس المشهد العام في فيلمٍ يشمل تعليقات خاصة به ومواد من وراء الكواليس ولقطات بديلة. يبالغ هذا الإطار السينمائي في تسليط الضوء على الخِدَع التي نشاهدها، لكنه يضاهي أداء بعض الممثلين اللامعين من الناحية السردية.

نعرف أن "ميكي" سيموت في نهاية القصة على يد قاتل في بلدته، لأن فيلم The Gentlemen يبدأ بعرض هذا المشهد قبل أن تنكشف الأحداث التي أدت إلى هذه النتيجة. لكن يعجّ هذا الفيلم بجوانب غامضة ومُضلّلة وحِيَل حذقة ومفاهيم مغلوطة ومواقف مبنية على الحظ والصدف، حيث يتطلب سيناريو "فليتشر" نوعاً من القراءة ما بين السطور. يطبّق ريتشي مقاربة حذرة في تقسيم المشاهد ويقدّم معلومات بصرية أساسية تفرض على المشاهد أن يُشغّل مخيّلته ويحاول حل الألغاز المطروحة. سيدرك هذا الأخير ضرورة ألا يصدّق كل ما يراه. للوهلة الأولى، قد نشعر بأن الأحداث تدور في عالم الرجال العدائي والإجرامي، لكن سرعان ما يتلاشى هذا الانطباع بفضل طبيعة الإغراءات المستعملة (يحاول "فليتشر" استمالة "رايموند" بقدر ما يبتزّه)، ويتّضح هذا الجانب في علاقة "ميكي" القوية مع نصفه الآخر "روزاليند" (ميشيل دوكري) التي لا توظّف إلا النساء في متجر الدراجات النارية الذي تملكه.




تدور أحداث The Gentlemen في مدينة لندن المعروفة بتنوع ثقافاتها، ويشمل الفيلم شخصاً أميركياً معتاداً على شرب الشاي ويرتدي سترة تويدية تقليدية لكنه يبدو إنكليزياً أكثر من الإنكليز أنفسهم. لقد وصل هذا الرجل إلى مكانته المرموقة واكتسب الاحترام بعد بذل جهود شاقة، ومع ذلك تبقى سمعته ملطّخة بسبب ماضيه الإجرامي. لا يحاول الفيلم تلميع صورة "ميكي" بقدر ما يستعمله للكشف عن شوائب المجتمع البريطاني الذي يتقبّله ويتكيف معه. يعرض الفيلم عدداً كبيراً من عيوب ذلك المجتمع: أعضاء الطبقة الراقية المستعدون لبيع كل ما يملكونه لتحقيق مصالحهم، صحافة تفعل كل ما بوسعها للتقرب من الأشخاص النافذين، أغنياء جدد جشعون وعديمو الأخلاق... تبرز إذاً مفارقة كبرى بين عنوان الفيلم الذي يشير إلى "السادة المحترمين" ومواصفات شخصياته الشائبة. أو ربما استُعمِل هذا العنوان لإثبات تفوق "ميكي" الذكي والأنيق والمُحِب لزوجته، ومساعديه الذين يشاركونه الصفات نفسها، على المجرمين الآخرين. باختصار، إنه فيلم فظ ومعقد وفكاهي ومن الواضح أنه يستعمل أكثر الجوانب متعة في هذا النوع من الأعمال السينمائية.


MISS 3