رامي الرّيس

لامبالاة دوليّة وترهّل محلّي!

8 شباط 2023

02 : 00

الأفق السياسي في البلد مقفل على مختلف المستويات. باستثناء بعض التحركات السياسيّة المحدودة الهادفة لكسر الجمود والخروج من حالة الدوران في الحلقة المفرغة، ثمّة تقاعس غير مسبوق من قبل الكتل البرلمانيّة، ولو أنّ التعميم في هذه الحالة، كما في سواها، لا يفيد.

لا تستطيع القوى السياسيّة اللبنانيّة الفاعلة الممثلة في المجلس النيابي الجديد الذي لم يمضِ على انتخابه سنة واحدة، «التقليديّة» منها و»التغييريّة»، أن تواصل سياسة الانتظار والترقب لما قد تفضي إليه الاتصالات الدوليّة والعربيّة التي لا ترقى إلى مستوى المبادرات السياسيّة المتكاملة حتى اللحظة بهدف الخروج من عنق الزجاجة.

لولا الاهتمام الفرنسي بلبنان وإصرار الرئيس إيمانويل ماكرون على تحقيق «خرق ما» في الملف اللبناني المتعثر، لاعتبارات محليّة فرنسيّة وتاريخيّة وسياسيّة و»عاطفيّة» تجاه «بلاد الأرز»؛ لما كان تحرّك النقاش الدولي حيال الأزمة اللبنانيّة قيد أنملة، ولما كانت استضافت باريس الاجتماع الشهير الذي لا يعدو كونه متابعة «عن بعد» للتعقيدات اللبنانيّة من دون الذهاب في اتجاه «فرض» خيارات سياسيّة حاسمة.

وما يزيد من التعقيدات المحليّة التي تُستولد حصراً من حالة انعدام المسؤوليّة الوطنيّة والسياسيّة والأخلاقيّة عند بعض فرقاء الداخل، هو تلبّد الغيوم الدوليّة والاقليميّة التي تؤثر حتماً على الملف الرئاسي اللبناني حتى ولو نفى بعض المعنيين الأمر، مثل توقف المفاوضات النوويّة بين طهران والمجتمع الدولي الذي يعني إنقطاعاً في خط التواصل الذي كان مفتوحاً، ولو بشكل محدود، بين باريس وطهران، مع ما قد يعنيه ذلك من انعكاس على الواقع الداخلي اللبناني.

ولا يمكن حتماً إشاحة النظر عن التطورات البالغة الأهميّة والتصعيد الإسرائيلي اليومي في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة والضفة الغربيّة في ظل تنامي السياسات العدائيّة التي يمارسها اليمين الديني المتطرف (وهو ليس يميناً سياسيّاً فقط بالمناسبة) الذي يواصل سياسة القتل من دون هوادة بحق الفلسطينيين الابرياء وقد فاق عددهم المئتين منذ مطلع العام الجاري فقط!

وإذا كان لبنان قد «حيّد» نفسه في مكان ما عن إمكانيّة اندلاع نزاع عسكري مباشر بين «حزب الله» واسرائيل نتيجة توقيع إتفاقيّة ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة منذ أشهر قليلة، ونتيجة رغبة الأطراف الدوليّة العظمى بتسيير شؤون استخراج النفط والغاز من الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط على خلفيّة إندلاع الحرب الروسيّة على أوكرانيا؛ إلا أنّ كل ذلك لا يلغي أن تبقى احتمالات افتعال إسرائيل، انطلاقاً من حقدها التاريخي على لبنان، مغامرات مكلفة سياسيّاً وعسكريّاً.

عربيّاً، ليس ثمّة مؤشرات سياسيّة جديّة بتوفر مناخات لدى الدول العربيّة المعنيّة بالملف اللبناني بأن تذهب في اتجاه «تزخيم» تحرّكها السياسي أو دعمها المالي لاخراجه من أزماته المتراكمة والخانقة، قبل أن تتضح لديها صورة الحقبة المقبلة بالكثير من تفاصيلها ومنعطفاتها المرتقبة، وهي ليست في وارد تقديم الدعم «المجاني» كما كانت تفعل في المراحل السابقة خصوصاً في ظل الامتناع اللبناني عن إطلاق الإصلاحات الإقتصاديّة المطلوبة والتي طال انتظارها.

إذا كانت هذه الصورة العربيّة والدوليّة القاتمة تخيّم على الواقع اللبناني، هل يجوز أن تقف الأطراف السياسيّة اللبنانيّة مكتوفة الأيدي؟ ألا تستطيع أن «تلتقط» اللحظة وتذهب لبناء تفاهمات حول انتخاب الرئيس وتقديم دليل، ولو لمرة واحدة، أنها قادرة على إدارة شؤون البلاد دون تدخلات خارجيّة؟

لا يمكن لهذا الترهل اللبناني أن يستمر إلى ما لا نهاية! نعود إلى الشاعر الكبير أحمد شوقي: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت/ فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا».

كفى!