الخلافات الداخليّة تتعمّق بسبب اليمين الألماني المتطرّف

أزمة داخل "حزب ميركل" بعد استقالة "وريثتها"

09 : 51

أنيغريت كرامب كارنباور خلال مؤتمر صحافي أمس (أ ف ب)

سادت حال من الضبابيّة داخل حزب المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل ما قد يؤثّر على خططها للبقاء في السلطة حتّى العام 2021، عقب تخلّي "وريثتها" الأبرز أنيغريت كرامب كارنباور بالأمس عن طموحاتها لقيادة البلاد على خلفيّة الأزمة المتفاقمة في شأن العلاقات بين الوسط واليمين المتطرّف.

واستقالت زعيمة حزب "الاتحاد المسيحي الديموقراطي" (يمين وسط) كرامب كارنباور من هذا المنصب بعد أقلّ من عام، في فترة شهدت نزاعات داخليّة حول مسألة التعاون مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرّف المناهض للمهاجرين. وأكدت أنّها لن تترشّح عن الحزب لمنصب المستشاريّة في الانتخابات العامة المقرّرة العام المقبل، وأقرّت بأنّها واجهت "فترة صعبة" كزعيمة للحزب. وقالت للصحافيين في برلين: "في الوقت الحالي، نشعر بقوى طرد نافذة داخل مجتمعنا وحزبنا"، فيما أعربت ميركل من برلين عن "أسفها" لاستقالة كرامب كارنباور، مشيرةً إليها باسمها الأوّل فقط "أنيغريت" في لحظة شخصيّة نادرة أمام عدسات الكاميرات، بينما قال وزير الاقتصاد المقرّب من ميركل، بيتر ألتماير: "هذا وضع خطر بشكل غير مألوف بالنسبة إلى الاتحاد المسيحي الديموقراطي".

وفي وقت يتّبع الحزب سياسة تقضي بعدم التعاون مع أي من اليمين أو اليسار المتشددَيْن على الصعيد الوطني، تمرّد نوّاب من حزب "الاتحاد المسيحي الديموقراطي" على هذا النهج الأسبوع الماضي، وصوّتوا في المعسكر نفسه مع نوّاب حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرّف للإطاحة برئيس مقاطعة تورينغن الصغيرة اليساري المتشدّد.

ودفع خرق الموقف السياسي تجاه "البديل من أجل ألمانيا"، شركاء ميركل في الحكومة، "الحزب الاشتراكي الديموقراطي"، للدعوة إلى محادثات طارئة في نهاية الأسبوع في شأن مستقبل الشراكة. وقال الزعيم المشارك للحزب "الاشتراكي الديموقراطي" نوربرت فالتر بوريانز خلال مؤتمر صحافي إنّ "على الاتحاد المسيحي الديموقراطي توضيح علاقته بالمتطرّفين من اليمين المتشدّد"، محذّراً من أن وزراء حزبه اليساري الوسطي لن يعملوا مع حزب "يترك فسحة للقوى اليمينيّة المتطرّفة".

وبينما باتت الأبواب مشرّعة بشكل كامل للسباق على المستشاريّة، توقّعت صحيفة "سويدوتش تسايتونغ" بأن تكون تداعيات التطوّرات الأخيرة ضخمة، وكتبت: "هناك احتمال كبير أن تكون مغادرة المستشارة (لمنصبها) اقتربت".

ويُشكّل التحالف مع اليمين المتطرّف في التصويت خرقاً لأحد المحظورات الأساسيّة لسياسات ألمانيا ما بعد الحرب العالميّة الثانية، أي رفض الأحزاب التقليديّة العمل مع تلك المتشدّدة، في حين أخفقت محاولات كرامب كارنباور لفرض ضوابط صارمة من برلين على التعاون مع اليمين واليسار المتشدّدَيْن، خصوصاً في شرق البلاد الشيوعي سابقاً، حيث يُهدّد الدعم القوي الذي يحظى به "البديل من أجل ألمانيا" واليسار في بعض المقاطعات، قدرة الأحزاب التقليديّة على تشكيل تحالفات قائمة على الأكثريّة وقادرة على أداء مهامها.

ومن المفترض أن تجري انتخابات ألمانيا الوطنيّة المقبلة بحلول خريف العام المقبل، بالرغم من أن التحالف الهشّ بين "الاتحاد المسيحي الديموقراطي" وحلفائه البافاريين من "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" والحزب "الاشتراكي الديموقراطي"، قد لا يصمد حتّى ذلك الوقت. لكن كرامب كارنباور أكدت أنّها لا تعتقد أن مغادرتها ستُشكّل خطراً على "استقرار حكومة الائتلاف الكبير".

وتأمل الوالدة الكاثوليكيّة لثلاثة أبناء في أن تضع بحلول صيف العام الحالي عمليّة منظّمة للعثور على الشخصيّة المناسبة لقيادة "الاتحاد المسيحي الديموقراطي" إلى حملات الانتخابات الاتحاديّة المقبلة. ورأت أن "فصل منصب المستشاريّة عن رئاسة الحزب يُضعف الاتحاد المسيحي الديموقراطي"، في انتقاد ضمني لقرار ميركل العام 2018 فصل المنصبَيْن، إذ تخلّت المستشارة المخضرمة عن زعامة الحزب على وقع سلسلة هزائم انتخابيّة على صعيد المقاطعات، بينما قوّض صعود اليمين المتطرّف شعبيّتها ضمن صفوف حزبها. وتولّت ميركل السلطة منذ العام 2005، لكنّها أشارت إلى أنّها لن تترشّح للمنصب مجدّداً بينما تخلّت عن زعامة "الاتحاد المسيحي الديموقراطي".

وبالرغم من أن ميركل عيّنتها كوزيرة للدفاع في تموز الماضي لمنحها سلطة تولّي منصب اتحادي، إلّا أن كرامب كارنباور لم تتمكّن قط من فرض سلطتها داخل حزب "الاتحاد المسيحي الديموقراطي" بعد فوزها بفارق ضئيل على منافسها فريدريخ ميرز.

ويتحيّن ميرز، خصم ميركل سابقاً، الفرصة لخوض المنافسة للوصول إلى السلطة، ولا يزال يحظى بدعم قوّي من أجنحة الحزب المؤيّدة للنشاط التجاري وذات الميول المحافظة بشكل أكبر. والأسبوع الماضي، تخلّى زعيم كتلة "الاتحاد المسيحي الديموقراطي" البرلمانيّة السابق عن وظيفته في شركة "بلاك روك" العملاقة لإدارة الأصول، "لدعم الحزب بشكل أقوى في إعادة تجديد نفسه والدخول مجدّداً في السياسة". واعتبر في تغريدة أنّ قرار كرامب كارنباور الاستقالة "يستحقّ الاحترام"، مضيفاً: "سأمنحها كلّ الدعم الذي تحتاج إليه لتقود عمليّتَيْ خلافتها والترشّح للمستشاريّة".


MISS 3