جاد حداد

Marriage Story...قصّة مؤثّرة عن تداعيات الطلاق!

11 شباط 2020

11 : 12

لعلّ Marriage Story (قصة زواج) أفضل ما أخرجه نواه بومباش منذ عمله الناجح The Squid and the Whale (الحبار والحوت). فقد خصّص بومباش وقتاً طويلاً لاستكشاف عالم الأفلام المستقلة وقليلة الكلفة وتحسين مهاراته فيها والسير على خطى وودي آلن في نيويورك. والفيلم مقتبس جزئياً من طلاق بومباش الحقيقي في العام 2013، لذا يطلق المخرج فيه العنان لنفسه ويسمح للعواطف بالتفوق على النواحي الفكرية. يتخذ الفيلم منحىً مؤثراً وقوياً في أفضل لحظاته، فهو يسلّط الضوء على جوانب لا يناقشها كثيرون عن الطلاق، لا سيما تلك التي قد تبدو أقل أهميةً فيما تسبّب أكبر الأوجاع.ولا بد هنا من الإشادة بقدرة المخرج على تقديم شخصياته بهذا القدر من الصدق على الشاشة اذ ليست الشخصيات الرئيسة عادية. ينعزل أبطال القصة في فقاعةٍ خاصة بهم وقد تبدو مشاكلهم الواقعية بنظرهم سخيفة بالنسبة إلى أكثر الناس حرماناً. ويصعب كذلك تجاهل ميل الفيلم إلى المطالبة بحقوقٍ لا يتمتع بها الجميع. قد نتأثر بالشخصيات باعتبارها كائنات حية تواجه صدمة عاطفية، لكن يصعب التعاطف معها بعمق. ومن هنا تحديداً الفرق الكبير بين هذا الفيلم وفيلم Kramer vs. Kramer الذي حصد جائزة أوسكار في العام 1980.

على غرار Kramer vs. Kramer، يُشَرّح الفيلم مفهوم الزواج بأدق التفاصيل. في بدايته نرى "تشارلي" (آدم درايفر) و"نيكول" (سكارليت جوهانسون) في طور الانفصال. لا نشاهد لمحة عن "أيامهما السعيدة" إلا في مشهدَيْن عاطفيَيْن من المناجاة الفردية التي تُمهّد لإطلاق إجراءات الطلاق، فتتّضح المسائل التي تهمّ كلّ طرف منهما.

يخصص الفيلم معظم مدّة عرضه (136 دقيقة) لمسار الطلاق، فتعود "نيكول" إلى لوس أنجليس لإعادة إحياء مهنتها الخامدة كممثلة تلفزيونية، فيما يبقى المخرج المسرحي "تشارلي" في نيويورك للإشراف على مسرحيته استعداداً لعرضها في "برودواي". ويبقى ابنهما الصغير "هنري" (أزهي روبرتسون) مع والدته ويقوم "تشارلي" برحلات متكررة لقضاء الوقت معه. وسرعان ما يخسر الانفصال جانبه الودّي عند تدخّل المحامين. فالمحامون لا يهتمون في نهاية المطاف إلا بتلقي أجورهم وتحقيق "الفوز" في قضاياهم، فيما يرغب عملاؤهم بكل بساطة في المضي قدماً بأقلّ قدر ممكن من الألم والمشاكل. تختار "نيكول" "نورا فانشو" الجدية (لورا ديرن) لتمثيلها في القضية. أما تشارلي، فبعد اختيار محامٍ من ميشيغان (راي ليوتا)، يعود ويلجأ إلى "بيرت سبيتز" الأكثر حكمة (آلن ألدا)، لكن سيواجه هذا الأخير هجوماً عنيفاً من "نورا" على ما يبدو.وطوال الفيلم نتساءل عن إمكان إنقاذ العلاقة. حتى الشخصيات تحمل التساؤل نفسه. يتوهم "تشارلي" لفترة أن زوجته قد تعود إلى المنزل معه، لكن تحتاج "نيكول" إلى تطوير نفسها وهي مضطرة للتضحية بزواجها لتحقيق غايتها. يعلق الولد "هنري" بين والديه، ورغم تأكيدهما أنّه يحتلّ الأولوية في حياتهما، لا يمنعهما الأمر من صرف الأموال المخصصة لدراسته الجامعية لدفع أتعاب المحامين من أجل تحقيق هدف بسيط.

هكذا يصبح "هنري" رهينة هذا الصراع، كما يحصل مع معظم الأولاد في الخلافات على الحضانة، لأنّ مصالح الفتى تصبح ثانوية مقارنةً بمحاولات "الفوز" بالقضية. (تتّضح هذه النقطة حين تشرح "نورا" لـ"نيكول" المنطق الكامن وراء اقتراحها "اتفاقاً غير متوازن" لنيل الحضانة).يبرع بومباش في التعمق بالشخصيتين الرئيسيتين ويكشف مواصفاتٍ تجعل المشاهدين يتعاطفون معهما رغم مظاهر الأنانية والتعنّت الواضحة لديهما. لكن تترافق مقاربته هذه مع بعض المشاكل. ويبدو أحد أهم المشاهد وأكثرها قوة (لقطة واحدة متواصلة بين "تشارلي" و"نيكول") مصطنعاً ومفتعلاً. فالحوار المستعمل مُسهَب بدل أن يكون عفوياً، وتكثر فيه الميول الميلودرامية أيضاً. باختصار، لم يُقدَّم ذلك المشهد بالشكل المطلوب (كان ليبدو قوياً على الأرجح لو أنه جزء من مسرحية، لكنّ أجواء الأفلام مختلفة). في مرحلة لاحقة، ثمة مشهد غريب تُستعمَل فيه شفرة سكين قابلة للسحب، فنشعر بأن هذه اللقطة تعود إلى فيلم آخر. كما أن استعمال أغنيتين من الكوميديا الموسيقية Company (الشركة) للملحن ستيفن سوندهايم ("تشارلي" يغني Being Alive و"نيكول" تغني You Could Drive a Person Crazy) يُحوّل الفيلم إلى مسرحية موسيقية للحظات وجيزة. يستحق بومباش الإشادة بهذه المحاولة، لكنه لم يحقق الهدف المنشود.



نجح Kramer vs. Kramer بشكلٍ أساسي بفضل أداء بطلَيه الخارق داستن هوفمان وميريل ستريب الفائزين بجوائز أوسكار. في Marriage Story، يقدم آدم درايفر وسكارليت جوهانسون بشكل خاص المستوى نفسه من الأداء. يبدو درايفر غريباً في مشهد أو اثنين، لكنه مقنع بدور النرجسي المتسلط الذي يعتبر نفسه ضحية. أما جوهانسون، فتقدم أفضل أداء في مسيرتها التمثيلية (بما يفوق أداءها المدهش في Lost in Translation (ضائع في الترجمة)، فتكشف عن أدق تفاصيل شخصيتها: إنّها امرأة تحبّ الرجل الذي تهجره لكنّها ما عادت تتحمّل السجن الذي وجدت نفسها فيه. هي تستكشف أعمق عواطفها وربما تستعمل مشاعرها الدفينة بعد فشل تجربتَي زواج في حياتها الواقعية، فتقدّم بذلك نتائج مبهرة.

بنظر بومباش، يشكّل Marriage Story عملاً مختلفاً عن أسلوب الإخراج النخبوي ويهدف إلى تقديم مشروع أكثر بساطة وتأثيراً. تبدو مواضيع الفيلم وعواطفه شاملة ويتعامل المخرج بحساسية عالية مع طريقة عرض تداعيات الطلاق تزامناً مع تجسيد قباحة الوضع حين يتدخل المحامون. قد يعتبر البعض هذا الموضوع جريئاً أو مزعجاً أكثر من اللزوم، لكنّ عرضه عبر شبكة "نتفلكس" يعطي المشاهدين فرصة رؤية درايفر بدورٍ مختلف عن "كايلو رين" وجوهانسون بدور مختلف عن "الأرملة السوداء".


MISS 3