رامي الرّيس

التزاحم الدولي على أفريقيا متواصل: حان الدور الروسي!

11 شباط 2023

02 : 01

البرهان خلال استقباله لافروف في الخرطوم الخميس (أ ف ب)

أن يغادر وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف بلاده في خضّم الحرب المديدة التي تقودها موسكو على أوكرانيا متجهاً إلى أفريقيا للقيام بجولة واسعة على عدد كبير من دولها بعد نحو سبعة أشهر من جولة مماثلة قام بها منتصف العام الماضي، فإن ذلك يؤشر إلى معطيَين لا يمكن تجاهلهما في سياق قراءة السياسة الخارجيّة الروسيّة.

الأول، أن روسيا باتت تتعايش مع فكرة أن الحرب التي تخوضها ضد كييف لا تزال مديدة وأن سياساتها الخارجيّة ونفوذها الدولي لا يمكن أن يتوقف بانتظار أن تضع تلك المواجهة العسكريّة الدامية أوزارها. وبالتالي، تنشط موسكو لاستعادة زمام المبادرة في السياسة الخارجيّة على مختلف المستويات، والاهتمام بالقارة السمراء يقع في طليعة تلك الأولويات.

الثاني، أن روسيا تسعى لإحداث أوسع مساحة ممكنة من الخروقات لسلة العقوبات المفروضة عليها، بما يتيح لها التملص التدريجي من نتائجها القاسية والعمل على تحدي المعادلات التي تفرضها الولايات المتحدة وشركائها على المسرح الدولي من خلال أدوات عديدة كالعقوبات والمواجهة العسكريّة.

من الواضح أن التفكير الاستراتيجي في موسكو بات يتجاوز التركيز الحصري على إنهاء الحرب في أوكرانيا، طالما أن الانتصار الساحق الذي كان الكرملين يتوقع حصوله في الأسابيع الأولى من الحرب لم يعد متاحاً خصوصاً مع استمرار تدفق الدعم العسكري الغربي إلى كييف، لا بل مضاعفته نحو خطوط إمداد جديدة تجعل سقوط العاصمة الأوكرانيّة وباقي الأطراف بعيداً من متناول موسكو وجنرالاتها.

وهذه المقاربة الجديدة شكّلت أحد أبرز العوامل المكوّنة للسياسة الخارجيّة الروسيّة التي أخذت تتشكّل بعد أشهر من إطلاق الحرب على أوكرانيا، وها هي آخذة في التقدّم والتبلور على مختلف المستويات. فها هي روسيا، على سبيل المثال، تعد لمناورات عسكريّة بحريّة ثلاثيّة مشتركة مع الصين وجنوب أفريقيا في إطار سعيها لتأطير جهودها الخارجيّة ضمن منطلقات جديدة على المسرح الدولي.

الاهتمام الروسي بالقارة الأفريقيّة ليس جديداً بل هو يصب أيضاً في إطار إعادة بناء علاقات قديمة بين موسكو والعواصم الأفريقيّة، التي كانت شهدت حقبات «ذهبيّة» في العصر السوفياتي عندما ساند القادة السوفيات دول القارة وشعوبها للتحرر من بقايا الاستعمار والسير نحو الاستقلال في مواجهة المشاريع الكولونياليّة الغربيّة بمختلف تلاوينها.

ولعل هذا «الإرث» القديم منذ أيّام السوفيات هو ما حال دون التزام عدد كبير من دول القارة السمراء بالعقوبات التي فرضتها واشنطن والغرب على موسكو، لا بل ذهب بعضها للاستفادة من تلك العقوبات عبر تعزيز العلاقات مع روسيا في لحظة حساسة في أوج الحرب على أوكرانيا.

كما أن موسكو التي تولي إهتماماً كبيراً لمجموعة «بريكس» (التي تضم إلى جانبها الصين والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند)، تسعى لتوسيع قاعدة عضويتها من خلال ضم عدد من دول أفريقيا، وقد أبدت نحو 12 دولة إهتماماً كبيراً بالانضمام إلى هذا التحالف الذي لا يمكن الاستهانة بقوته السياسيّة والاقتصاديّة على المسرح الدولي.

من الواضح أن التزاحم الدولي على أفريقيا بات كبيراً، فبعد الاستثمارات الصينيّة الضخمة في القارة ومحاولة واشنطن الحثيثة لمجاراة غريمتها الدوليّة، ها هي موسكو تنضم إلى السباق. وعلى الرغم من أن قدرات روسيا في هذه اللحظة السياسيّة، لا سيّما على المستوى الاقتصادي، لا يمكن أن تنافس بشكل تام نفوذ بكين وواشنطن، إلا أنها تبقى قادرة على الحفاظ على حضورها بشكل أو بآخر وأن تكسر قاعدة الغياب، وهي القاعدة القاتلة في السياسة الدوليّة.

فكرة «التعايش» مع الحرب الروسيّة المديدة في أوكرانيا صارت أكثر قابليّة في معظم الأوساط الدوليّة والدليل هو العدد المحدود من المبادرات السياسيّة لحل الأزمة. المستفيدون: مصانع الأسلحة والشركات العابرة للقارات. الخاسرون: الشعوب التي تدفع الثمن. المعادلة لا تتغيّر!