جيمس لافلوك وخطط إنقاذ كوكب الأرض

11 : 19

جيمس لافلوك عالِم ومخترع بريطاني ويُعتبر من أهم رواد الحركة البيئية. يبلغ هذا الرجل 100 عام وتتطرق أبحاثه إلى مجالات الطب وعلم الأحياء وعلم الفسيولوجيا الجيولوجي. لطالما أثارت أفكاره الجدل في السابق ومن المتوقع أن تثير الجدل مجدداً. كيف يمكن كبح التغير المناخي بالطاقة النووية والذكاء الاصطناعي برأيه؟

ما هي فرص نجاة كوكب الأرض؟


الأرض معرّضة لتهديد مزدوج. من جهة، تزيد سخونة الشمس بوتيرة بطيئة وستصل يوماً إلى مرحلة تحرق فيها جميع مظاهر الحياة. ومن جهة أخرى، يُسَرّع البشر هذا الاحتباس الحراري اصطناعياً عبر غازات الدفيئة. إنه تصرف غبي جداً من جانبنا.

ما هي الخطـوات الـتـي يجـب أن يتخذها السياسيون لمحاربة التغير المناخي؟

نحن نتجول في الطائرات بدرجة مفرطة وأصبحت أسعار الرحلات الجوية رخيصة جداً. وإذا أردنا تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فعلاً، يجب أن نلجأ إلى الطاقة النووية. يخاف الكثيرون من هذه الطاقة، لكنها آمنة جداً.

في كتابك الجديد Novacene: The Coming Age of Hyperintelligence (الحداثة: عصر مرتقب من الذكاء المفرط)، تقترح تركيب نوع من المظلات في الفضاء لتبريد الأرض. هل أنت جدّي؟


يستطيع أي ظل يبلغ قطره مئات الأميال على مدار المحور الشمسي بين الأرض والشمس أن يوقف الاحتباس الحراري بالكامل.

ألن يكون هذا المشروع مكلفاً للغاية؟نعم طبعاً، سيكون مكلفاً. لكنه لن يفوق كلفة الذهاب إلى المريخ.

هل سيكون استعمار المريخ كخطة احتياطية منطقياً، وهو مشـروع يخطط له مؤسس شركة "تيسلا" إيلون موسك؟


إنها فكرة جنونية بالكامل. يبدو أن إيلون موسك بالغ في قراءة قصص الخيال العلمي وانجرّ وراء أفكارها. لو كنتُ مكانه، ما كنت لأهدر ثروتي على استعمار المريخ. سيكتشفون بكل بساطة أن ظروف الكوكب هناك مريعة: لا يمكن تنفس الهواء، ويساوي ضغط الغلاف الجوي جزءاً ضئيلاً من الضغط في جبل إيفرست. من الأفضل أن نستثمر تلك الأموال لإنقاذ كوكب الأرض.

ما من أفكار أخرى في مجال الهندسة الجيولوجية لتبريد الكوكب؟


اقترح الكثيرون وضع مركّبات الكبريت في طبقة الستراتوسفير، ما ينتج ضباباً وغيوماً مُبرِّدة كتلك التي تطلقها الثورات البركانية.

هل نفهم كوكب الأرض بما يكفــي للقيام بهـذا النـوع من التدخلات؟

نعم، أظن أن أحد الأفراد تكلم عن قانون العواقب غير المتوقعة. هذه الظاهرة تحصل بشكلٍ شبه دائم. لكن للأسف، لا يبدو النظام العلمي الراهن مُصمّماً لفهم المشهد العام. تدّعي الجامعات أنها تُعلّم العلوم للطلاب، لكنها لا تفعل ذلك. بل إنها تُعلّمهم كيفية النجاح في الامتحانات. لا بد من حل الجامعات. أليس جنونياً أن يتعلم الناس مواضيع مختلفة في مبانٍ منفصلة؟أنت تمزح طبعاً!بل أنا جدّي. تعلّمتُ معظم ما أعرفه في المختبر، لا في الجامعة. على عكس العلماء، يحتاج المهندسون إلى رؤية المشهد العام. العلماء لم يخترعوا طائرة الأخوين رايت، بل اخترعها مزاولان للمهنة على الشاطئ. وأنا واثق من أن الحرفيين الذين بنوا الكاتدرائيات في أوروبا وبريطانيا كانوا مهندسين عباقرة. ما كانوا يملكون أجهزة كمبيوتر، بل إنهم حرفيون سمعوا حدسهم وبنوا كاتدرائيات صمدت طوال هذه السنوات كلها.

كيف بدأت أبحاثك البيئية؟

في صغري، كنا نعيش في "كينت"، جنوبي إنكلترا. الجو جميل هناك خلال الصيف، والطقس صافٍ والشمس مشرقة، بغض النظر عن مصدر الرياح. لكن بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في فترة الخمسينات، بدأ الهواء يصبح ضبابياً جداً، لا سيما حين تهبّ الرياح من القارة الأوروبية. في تلك الحقبة، كان الناس يظنون أن هذه العملية هي أشبه بزفير طبيعي من الأرض. لكني لم أكن أصدّق هذه الفكرة. لذا قررتُ استكشاف الموضوع وبدأتُ أقيس مركّبات الكلوروفلوروكربون لأنها من صنع البشر. هكذا بدأتُ أقيسها واكتشفتُ أن نسبة تَركّزها ترتفع ثلاث مرات حين تهب الرياح من الشرق، وهي نسبة عالية جداً. لكنها كانت تنخفض حين تهبّ من الأطلسي.


ما هي أدوات القياس التي استعملتها؟


صمّمتُ نموذجاً بسيطاً من جهاز قياس جديد خلال أسبوعين. كان دقيقاً لأقصى الدرجات. لكنّ دقته ترافقت مع بعض السلبيات أيضاً. تواجدتُ حينها على متن سفينة بحثية ألمانية في المحيط الأطلسي مقابل فلوريدا، لكن كان البحارة في السفينة يستعملون عبوات رذاذ كثيرة، لذا كان يستحيل أن أجري القياسات التي أريدها. لذا طلبتُ من القبطان أن يترك لي ميلاً واحداً تقريباً وراء السفينة لأخذ عينة من الهواء، وهذا ما فعلتُه. صعدتُ في مركب مطاطي واتجهتُ إلى وسط بحر سارجاسو. كانت تلك التجربة مدهشة وشعرتُ خلالها بضخامة المحيط. أعتبر هذه المغامرة بالغة الأهمية.


من أين جاء حبّك للطبيعة؟


من والدي الذي كان ينتمي إلى جيل الصيادين وقاطفي الثمار. توفي والده حين كان صغيراً، لذا اضطر 13 شقيقاً للاعتناء بأنفسهم. كان أبي يعرف المساكن الطبيعية للنباتات والحيوانات لكنه لم يتلقَ تعليماً رسمياً. في تلك الأيام، كانت أجزاء كبيرة من جنوب إنكلترا عبارة عن أراضٍ بور. كانت المزارع لا تزال قليلة جداً، وكانت البيئة مؤاتية للصيد وجمع الثمار وهذا ما فعله الناس، لكن كان الأثرياء يملكون تلك الأراضي ولطالما أرادوا منع الفلاحين من الصيد. لذا أمضى والدي فترة في السجن بعدما ألقى مراقب الصيد القبض عليه. كنا نذهب للتنزه أيضاً فيما يكتشف هو جميع أنواع المساكن الطبيعية. لقد علّمني كيف أصيد السلمون المرقط. يجب أن ننزل تحت الماء بيدنا ثم نندفع نحو السلمون من الأسفل ونمسك به. إنها مهارة بحد ذاتها ولا يمكن إتقانها إلا بعد التدرب عليها لفترة. كان والدي يشبه شخصية الدكتور بانغلوس المشهورة بتفاؤلها الشديد. كان مقتنعاً بأن كل ما يحصل يعطي نتائج إيجابية في هذا العالم الذي يُعتبر أفضل مكان على الإطلاق!


خلال الحرب العالمية الثانية، قمتَ بأبحاث طبية عن الجروح المشتقة من الحروق. طُلِـب منـك أن تحـرق جلـد أرنـب، لكنك رفضت. لماذا؟


هل كنتَ لتحرق الأرانب أو أي حيوان آخر؟

حتى لو ساهمت تلك العملية في إنقاذ حياة البشر؟


طبعاً! لا شيء يبرر ذلك! هذه الفكرة كلها مثيرة للاشمئزاز. كنت أفضّل أن أحرق نفسي. كانت الحروق مؤلمة جداً في البداية، لكن اعتاد عليها جسمي خلال أسبوع. وفي نهاية تلك الفترة، كنت أستطيع أخذ سيجارة مشتعلة ووضعها على بشرتي من باب التسلية. كنت أعرف أن التجربة لن تكون ممتعة، لكنها أفضل من الشعور بالذنب وتلقي العقاب بسبب إيذاء كائنات حية أخرى.


لماذا لم تجعل ضمير الإنسان إذاً محور كتابك الجديد على أمل أن يتمكن يوماً من السيطرة على مناخ الأرض، بل اخترتَ الذكاء الاصطناعي؟


أنا شخصياً لا أستطيع أن أقترح استعمال السايبورغ (كائنات سيبرانية). هذه الأفكار لا تصدر مني بل من الخبراء. زارني ديميس هاسابيس حديثاً، وهو منتج البرنامج الذي هزم أفضل لاعب في لعبة Go بفضل ذكائه الاصطناعي. هو رجل لطيف جداً وأظن أنه يملك أفضل الأفكار عن هذه المسائل.


كيف نتأكد من أن انتشـار هذا الذكاء الاصطناعي على كوكب الأرض لـن ينقلـب ضد البشر؟


يجب أن نتذكر دوماً أن هذا النوع من الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يفكر بوتيرة أسرع من البشر بعشرة آلاف مرة على الأرجح. إنها السرعة التي يتفوق فيها البشر على النباتات. نحن لم نتخلص من النباتات لأننا نستمتع ببقائها كونها تغذينا. لا أعرف إذا كان الذكاء الاصطناعي سيقتات منا، لكنه يحتاج إلينا للحفاظ على توازن سليم للكربون على كوكب الأرض. لا أحد يستطيع القضاء على الحياة الحيوانية بكل بساطة. لذا لا أظن أن القلق المفرط مبرر في هذا المجال.


هـذا الأمل بإيجاد الحل بفضل ابتكار تكنولوجي حمـيد وفـريد مـن نوعـه يبدو خيالياً أو ذات بُعد ديني.

لن تكون أول قفزة لافتة لهذه الدرجة في مسار التطور. إذا كنت تصدق أن العالم كله نشأ انطلاقاً من عناصر كيماوية عضوية عشوائية خلّفها ركام انفجارات السوبرنوفا، يمكن اعتبار ظهور الكائنات السيبرانية الذكية خطوة صغيرة أخرى في الإطار نفسه.

هذا الأمل هو سر سعادتك وصحتك؟


حين تجاوزتُ عمر المئة، تساءلتُ: ما الذي أستطيع فعله بعد؟ ما الذي أستطيع التطلع إليه؟ لم أعد ملتزماً بأي واجبات، بل أستمتع بحياتي الآن. يظن معظم الناس أن التقدم في السن ظاهرة سيئة ومرحلة تمهيدية للانهيار التام. هي كذلك بدرجة معينة، لكن يمكن اعتبارها أيضاً فرصة مهمة أو عطلة طويلة. لسبب معيّن، أشعر بالاطمئنان والرضى. حين أستيقظ في الصباح، أقول في نفسي: يا له من عالم جميل! أنا أعيش هنا مع زوجتي وما زلنا مغرمين ببعضنا البعض. ما الذي أريده أكثر من ذلك؟


MISS 3