سيلفانا أبي رميا

بين الماضي والحاضر والأزمات...عيد الحبّ ينتصر

14 شباط 2023

02 : 01

يحتفل لبنان اليوم كغيره من بلدان العالم بعيد الحبّ أو "فالنتاين"، ويأتي الرابع عشر من شباط ليتوّج الأحمر ملكاً على بقيّة الألوان وتتزيّن به واجهات المحلات والمطاعم والمقاهي. إلا أننا وفي جولةٍ على الأسواق لمسنا خجل العيد هذا العام، فالأحمر القاني بَهُتَ لونه والهدايا المعروضة قليلة والعشّاق المتهافتون للشراء هجروا الأرصفة.

وكغيره من المناسبات والقطاعات لم يسلم العيد من الأزمة الاقتصادية، ومع تراجع أولوية الاحتفال به، أتت "دَولرة" الأسعار لتصبّ الزيت على النار، ويقول وسام، الشاب الثلاثيني الذي رصدناه يجوب أسواق جبيل بحثاً عن هدية لخطيبته: "كيف نحتفل بالعيد ونحافظ على علاقات سليمة بوجود هذه الأسعار! الدبدوب بسعر الذهب والوردة الواحدة تخطّت الـ3 دولارات".

يبدو أن الأحمر لم يفعل فعلته هذا العام وفشل في جذب العشّاق، فالثياب بقيت معلّقة على الواجهات والدببة والأكسسوارات لم تبارح مكانها، وحركة الشراء شبه معدومة كما أخبرنا معظم تجار المنطقة. إلا أن الحديث يختلف داخل محال الورود وباتيسري الحلوى والمطاعم حيث حافظت الوردة على رمزيتها والإقبال عليها ليس بخفيف بالرغم من ارتفاع الأسعار، وقالب الحلوى الذي صُمّم خصيصاً للمناسبة على شكل قلب يبقى الأكثر مبيعاً وتراوحت أسعاره بين الـ15 والـ40 دولاراً. أما المطاعم فغصّت بالعشاق الباحثين عن ليلة حبّ وترفيه وموسيقى وامتلأت لائحة الحجوزات منذ نهاية الأسبوع المنصرم.

هل الوضع الراهن هو الملام الوحيد أم لذهنية هذا العصر دورٌ في تغيير صورة عيد الحب؟

استوقفنا العمّ سمعان في جولتنا، رجل سبعيني يجلس بهدوء أمام منزله المتواضع باحثاً عن خيوط الشمس الدافئة في عزّ صقيع شباط، وحين سألناه عن عيد الحب بادر إلى الإجابة "الناس تغيروا"، وأضاف شارحاً:" الناس باتوا متطلّبين وسطحيين تستهويهم المظاهر. نحن جيل عاش الحبّ بصدقيته وبراءته واحتفلنا بالحبّ الأفلاطوني الشغوف".

وفي رحلةٍ إلى الزمن الجميل أخبرنا كيف كان شبان الحيّ العشاق ينتظرون عيد الحبّ لإبهار محبوباتهم وقال: "كنّا نكتب رسائل حبّ بخطّ اليد ونعطّرها بالكولونيا الخاصة بنا ونضعها في مغلّف أحمر. وكان الدبدوب سيّد الهدايا والوردة طبيعية أم إصطناعية، كانت كفيلة بإذابة قلب الأحبّاء والتعبير عن مشاعر فقدناها اليوم".

وأردف: "لم تكن هناك حفلات وسهرات باهظة كما الحال اليوم! كنا نعشق على صوت وألحان الكبار من أم كلثوم وعبد الحليم وفيروز وماجدة الرومي وهاني شاكر... وكان الكاسيت جزءاً أساسياً من هدية عيد العشاق".

وأكد أن النساء لم يعتدنَ تقديم الهدايا بل كانت حكراً على الرجال فقط وهو ما فرضته التقاليد والأعراف، وإن تكلفة هذا العيد المميز لم تكن تتعدَّى بضع ليرات.

ومن جيل أصغر بقليل، أخبرتنا نورما، السيدة الخمسينية المتزوّجة منذ 30 سنة، أنها وزوجها اعتادا الاحتفال بعيد الحب في كل عام وقالت: "أيامنا كانت أرحم والوضع كان أفضل، حتى في عزّ الحرب لم نشهد ثقل الأزمة الذي نشهده اليوم".

وأشارت إلى أن أبناء جيلها اعتادوا تقديم الشوكولا وعصافير الحبّ والذهب بمناسبة "فالنتاين"، وكان العشاء الرومانسي شيئاً نتفاخر به أمام الأصحاب". ولم تتوانَ عن الاعتراف بأن الوضع تغيّر منذ ثلاث سنوات بدءاً من جائحة "كورونا"، مروراً بالثورة وصولاً إلى انفجار الدولار الحالي. وأردفت: "الاحتفال بالعيد لم يعد من الأولويّات. بات كلّ همنا تأمين حاجات أولادنا اليومية. الحياة تغيّرت وبتنا نقاوم لنبقى على قيد الحياة بدل أن نعيشها بمغامراتها ومناسباتها وأعيادها".

اليوم تغيّر المشهد. ففي عصر السرعة والتكنولوجيا ومواقع التواصل بات وجه عيد الحب إصطناعياً تكسوه المظاهر والهدايا الثمينة التي تفتقر إلى المعنى الحقيقي لهذا العيد الذي طبع بلداناً وعصوراً. وفي استطلاع صغير بين أوساط الشباب اللبناني، أخبرنا أغلبهم أن الوردة والمكتوب لم يعودا كافيين، وأن الدبدوب الأحمر دخل لائحة "الموضة القديمة". وبات عيد "فالنتاين" عبارة عن سهرة صاخبة وعشاء باهظ وقطعة ذهب أو جوال "آخر موديل" وسباق هدايا ندخله ونتباهى به عبر مواقع التواصل الاجتماعي.


MISS 3