كارين عبد النور

أدوار الشركات الخاصة داخل الإدارات تنتقل من أحجية إلى أخرى (2)

"إنكربت" والعقد الذي لم يكن...

17 شباط 2023

02 : 01

القاضي شكري صادر
من حيث انتهينا نواصل. وإلى ملف شركة «إنكربت» نعود. الأسئلة- التي تطفو على السطح، أقلّه- كثيرة. أما الحصول على إجابات شافية، فليس بتلك السهولة. لكن متى كان الأمر خلاف ذلك في بلد ليس الصواب والخطأ فيه سوى مجرّد وجهة نظر. على خط مجلس شورى الدولة وهيئة إدارة السير والشركة المعنية نجول مجدّداً. ونحاول سبر أغوار أعمق.

عودة في المستهل إلى العام 2017. رئيس مجلس شورى الدولة السابق، القاضي شكري صادر، يسرد لـ»نداء الوطن» مجريات القضية. «اطّلعنا على أوراق المراجعة التي قُدّمت بتاريخ 2017/05/30 تحت الرقم 2017/22150، والتي يُطلب بموجبها وقف تنفيذ وإبطال المذكرة الإدارية رقم 2016/18 الصادرة عن رئيس مجلس إدارة هيئة السير والمتضمّنة التوقّف عن إصدار أية رخصة سوق بحسب النماذج الورقية، والاستعاضة عنها بأخرى بيومترية. المراجعة اعتبرت أن قانون السير لا ينص على إصدار هكذا نوع من الرخص، وأن الهدف هو تمرير صفقة بملايين الدولارات لصالح شركة «إنكربت». وبما أن رخص السوق البيومترية تُشكّل انتهاكاً لحقّ الخصوصية الشخصية للأفراد، وكون عمل الشركة يرتكز إلى دفتر شروط وليس إلى تعاقد واضح وصريح، وبناء على معطيات كثيرة أخرى وردت في المراجعة، أصدرنا قراراً يقضي بتكليف المستدعى ضدها (مدير عام هيئة إدارة السير، هدى سلوم) إبراز نسخة عن العقد المتعلّق بالرخص البيومترية وذلك في 2017/06/29».

العقد، إذاً، كان ويبقى كلمة مفتاحية. فصادر، في هذا السياق، يضيف أنه ارتأى وقتها ضرورة إبرازه من قِبَل هيئة إدارة السير قبل القيام بأي إجراء أو إبطال، وذلك للتأكد من السند القانوني الذي تستند إليه المذكّرة. «إن لم يكن هناك تعاقد وفق الأصول، على الشركة التوقف عن متابعة عملها، لا سيّما وأن المناقصة تمّت في هيئة إدارة السير وليس في إدارة المناقصات»، على حدّ قوله. إلى أن حدث تطوّر مفاجئ. فبعد شهرين من صدور قرار إبراز العقد، تمّ إقصاء صادر عن مهامه في آب 2017. المعلومات التي تردّدت حينها لفتت إلى أن ملف النافعة كان واحداً من ملفات ثلاثة تسبّبت بخلافات كبيرة بين صادر ومجلس الوزراء، انتهت بإقصائه. فماذا حصل بعدها؟ الجواب الذي أرسلته هيئة إدارة السير إلى مجلس شورى الدولة في 2017/08/28 والموقَّع من قِبَل سلوم، تضمّن نسخة من دفتر الشروط الخاص والمصادَق عليه من قِبَل مجلس الوزراء بالقرار رقم 69 تاريخ 11/09/2014، على اعتبار أنه يحلّ محلّ العقد. وهكذا اعتقد كثيرون يومها أن الملف أُغلِق- أو أريد له أن يُغلَق- على هذا النحو.



الحكم الذي أصدره القاضي شكري صادر

نسخة من ردّ هيئة إدارة السير

أمر مباشرة عمل من دون عقد





المتابعة غائبة

مصدر مطّلع على شؤون وشجون مجلس شورى الدولة أوضح بدوره لـ»نداء الوطن» أن صادر كان ينوي، في حال عدم إبراز العقد، إخراج شركة «إنكربت» من هيئة إدارة السير كون غياب التعاقد يعني الإبطال حكماً. المصدر عينه أكّد أنه، لو كان ثمة نوايا صادقة، كان على المجالس المتعاقبة بعد خروج صادر من الصورة متابعة الدعوى الموجودة في غرفة الإبطال والتي كان الأخير يترأسها. إذ كيف للتقنية البيومترية أن تُطبَّق بدون عقد، وكيف لرئاسة هيئة إدارة السير إصدار القرارات نيابة عن مجلس الوزراء، وكيف للوزير نفسه السماح للشركة المباشرة بالعمل دون توافر تعاقد رسمي؟ هذا غيض من فيض تلك الأسئلة الكثيرة. ثم يستطرد المصدر خاتماً: «في ظلّ عدم توفّر أي عقد، تُعتبر شركة «إنكربت» شركة محتلّة لهيئة إدارة السير وتمديد مهلة عملها غير ممكن إلّا بقرار من مجلس الوزراء، وهذا ما لا يمكن أن يحصل والعقد غير موجود أساساً».

لكن لا بأس من محاولة استيضاح المزيد مع رئيس مجلس شورى الدولة الحالي، القاضي فادي الياس. ففي اتصال مع «نداء الوطن»، لفت إلى أن القرار الذي صدر عن القاضي صادر لم تتمّ متابعته في المجلس. وعن الأسباب يقول: «بالمعنى القانوني، حين يصدر حكم من مجلس شورى الدولة، تُنفَّذ الصيغة التنفيذية وتُبلَّغ للإدارة وعلى الأخيرة أن ترتّب النتائج القانونية. فالإدارة أُبلغت صورة صالحة للتنفيذ بحسب المادة 126 من نظام المجلس وبالتالي- بحسب المادة 93- على الأخيرة أن تقوم بتنفيذ القرار». وعن سؤال حول ما إذا كان المجلس يتابع تنفيذ القرارات، أجاب بالنفي معتبراً أن على صاحب العلاقة، في حال تمنّع المستدعى عليه عن تطبيق أحكام القرار، طلب غرامة إكراهية- أي رفع دعوى جديدة بوجه الدولة لإلزامها على التنفيذ. «هذه هي الإجراءات التي ينصّ عليها القانون حالياً. غير أننا نسعى من خلال مشروع قانون قدّمناه إلى مجلس النواب إدخال بعض التعديلات الجذرية في هذا الخصوص. والحال أن المشروع يُدرس في لجنة الإدارة والعدل، حيث ستتغيّر الأوضاع كافة في حال تمّ تبنّيه».

...وتعاون محدود

نكتفي بهذا القدر بما يتعلّق بمجلس شورى الدولة. والاستنتاج يذهب من حيث المبدأ باتّجاه واحد: العقد غير موجود. ثم ننتقل إلى هيئة إدارة السير. فماذا يقول المعنيون في ما خص الداتا وتمديد مهلة صلاحية خدمات الشركة؟ البداية مع استمرار الشركة بممارسة مهامها رغم انتهاء صلاحية عملها في آب الماضي. «بحسب ما ورد في دفتر الشروط، يبدأ احتساب مدة عمل الشركة منذ أول إصدار لها، بحيث لم تُؤخَذ فترة التجهيز بالاعتبار. بالتالي، وبناء على فترة السماح هذه، تستمرّ خدمات الشركة حتى أيلول من العام الحالي. كذلك، هناك مراسلة بين الشركة وبين مجلس الوزراء تطلب فيها الأولى تمديد عملها حتى العام 2024». هذا ما تفيدنا به مصادر النافعة.

جيّد. لكن ماذا عن الداتا، كما سبق وسألنا، وهل هي بحوزة هيئة إدارة السير؟ «للأمانة، لا تتوانى الشركة عن تزويدنا بالتقارير التي نطلبها، لكننا لا نملك نسخة عن الداتا»، كما تجيب المصادر نفسها. الداتا موجودة داخل مبنى هيئة إدارة السير غير أن المسؤولين عنها تابعون للشركة مباشرة وليس للهيئة. كلام إضافي سمعناه من مصادر موثوق بها داخل النافعة. وقد أضافت: «رغم محاولات بعض المسؤولين التعاون مع فريق فنّي للتأكّد من نقل السيرفر إلى الهيئة أو إلى وزارة الداخلية حماية للداتا، إلّا أن ذلك لم يحصل باعتبار أن الإمكانيات التي تتيح تحقيق هذه الخطوة غير متوافرة. فثمة حاجة لترتيبات عملية ولوجستية يصعب تأمينها». أكثر من ذلك. فمعلومات من داخل النافعة تتحدّث عن وجود خلاف بين رئيس مصلحة تسجيل السيارات بالتكليف، العقيد علي طه، وبين رئيس شركة «إنكربت» هشام عيتاني. فهل لما سبق علاقة بذلك؟ بمطلق الأحوال، ليس على السائل عن العقد إلّا أن يتلقّى إجابة واحدة متكرّرة: «هناك دفتر شروط يُحكى عن توقيعه يومها في مكتب وزير الداخلية السابق، نهاد المشنوق. وهذا كل ما نملك».

تطوّرات قضائية؟

قيل الكثير عن «مغارة النافعة» مؤخّراً. فساد وتُهم بتلقّي رشاوى وتزوير دفاتر سوق وتسجيل سيارات ودراجات نارية ومتورّطون كُثُر. صحيح أن الملف فُتح قضائياً على مصراعيه، لكن هناك من يستغرب عدم الاقتراب من شركة «إنكربت». مع العلم أن البعض يشدّد على أن جريمة التزوير التي حصلت هي إلكترونية معلوماتية ويجب أن تُلاحَق الشركة عليها. مصدر قضائي مطّلع على حيثيّات الملف أكّد لـ»نداء الوطن» أن التحقيقات لم تثبت تورّط الشركة بأي عملية تزوير. فما حصل إنما هو تزوير دفاتر سوق لم يخضع أصحابها للامتحانات المطلوبة، بعد أن اعتبرتهم لجنة الامتحانات من الناجحين ومنحتهم الوصولات التي تخوّلهم الحصول على الدفاتر تلك. ويتابع المصدر: «امتحانات السوق كانت مزوّرة لكن عمل الشركة كان قانونياً». بيد أنه أشار إلى أن المشكلة- رغم عدم ثبوت أي تزوير- تكمن في تقاعس الشركة عن القيام بواجباتها بحجّة تقهقر سعر صرف الليرة وعدم قدرتها على تسديد ثمن المستلزمات. ذلك رغم أنها ترتّب على خزينة الدولة مبالغ طائلة تفوق المطلوب بأضعاف. لكن، كما ينهي المصدر القضائي، هذا لا ينفي ضرورة الغوص في مدى قانونية المناقصة والأسباب التي تقف وراء ذهابها إلى هذه الشركة دون سواها. فهل نشهد هنا تطوّرات ما مصاحبة لملف النافعة القضائي؟

ردّ الشركة... لا ردّ

شرعية عملية التبصيم (أو عدمها) والتساؤلات القانونية التي أثيرت حولها، خاصة أن الدستور اللبناني لم ينص عليها أصلاً، كانت هي الأخرى- ولا تزال- محطّ متابعة من مراقبين للقضية. واستطراداً، هناك علامات الاستفهام الكثيرة التي تُطرح حول الأسباب الكامنة خلف تبصيم من هم دون الـ60 سنة فقط لا غير. هل ثمة منطق علمي هنا أو هي اعتبارات أخرى؟ من هي الجهة التي طلبت أخذ البصمات في هيئة إدارة السير وما الغاية منها وهل هناك قرار وزاري بذلك؟ ثم ماذا عن اللوحات واللواصق الإلكترونية ورخص السوق والسير والشرائح التي يجب أن تكون بحوزة الهيئة؟ ولِمَ لا تزال شركة «إنكربت» محتفظة بها؟

أردنا حمل هذه الأسئلة إلى إدارة الشركة إفساحاً لها بالمجال للتعليق والتوضيح كما الردّ على الاتهامات الموجّهة ضدّها- والتي ترى فيها إجحافاً بحقّها. لكن بعد أسبوع من الانتظار، أتتنا الإجابة لتصوّب على (الهدف؟) من التحقيق و(التوجّهات؟) الكامنة خلفه. فبالنسبة للشركة، الاعتذار عن الدخول بأي تفاصيل تقنية ذات صلة كان الجواب المناسب على «عدم التواصل معنا قبل نشر الجزء الأول». لكن ماذا عن العقد، هل هو موجود أساساً، وهل أنه منتهي الصلاحية في حال وُجِد؟ «تقدّموا بكتاب رسمي إلى الجهات المعنية، فنجيبكم على هذه الأسئلة». هكذا، بلا زيادة أو نقصان.

بالحديث عن الجهات المعنية، رئيس لجنة الأشغال النيابية، النائب سجيع عطية، نفى لنا علمه بتفاصيل الملف. لكنه وعد بالتوجّه الأسبوع المقبل إلى النافعة لغرض فتح تحقيق بالمعطيات المتوافرة. وتبقى الأسئلة بانتظار إجابات.


MISS 3