محمد فهمي

هذا هو الجيش لمن أضلّ الطريق

18 شباط 2023

02 : 00

محمد فهمي

بفائضِ شرفٍ وتضحيةٍ ووفاءٍ، أبطالٌ ثلاثة شقوا طريق الأرض نحو السماء، من أعالي جرود البقاع إلى الخُلد الأعلى، هي معركة مُستمرة يخوضها الجيش للدفاع عن الوطن في ساحات مختلفة، وهذه المرة كانت بمواجهة المخدرات ومن يزرعها ليقتل بها اللبنانيين في حاضرهم ومستقبلهم.

من جرود بلدة حورتعلا البقاعية ومن أي مكان ارتقوا ورفاقهم على مذبح هذا الوطن العليل، تُعدم المسافات ومقاييِسها، أوليس «جبهة العالي ميزّرة بالغيم؟».

يتحدثون عن أخطار نُقبلُ عليها وتُقبلُ علينا، ولا يعلمون من نحن. وما أقصد بنحن، الجيش المكوّن من الشعب كل الشعب، وفي خِضمّ ما نشهد من تفلّت في منظومة الأمن المجتمعي التي تلاشت، فإلى متى يستمر الرهان على الأمعاء الخاوية قائماً؟

وعلى سبيل ما يُسأل وما يُجاب عليه وبما لا يحتملُ ذرةً من الشك، ولمن تملأُ الحيرةُ عقلهُ حول أدوات ضبط الإيقاع داخل المؤسسة العسكرية في ظل ما تمر به، بدءاً من انعدام قيمة الرواتب وصولاً إلى أدقِ التفاصيل المعيشية للعسكريين كافة؟

هو تفسير واحد يُفيد بأنّ علاقة الجيش بالوطن خارجة عن الأطر المادية منذ الأزل، فمن يئِنّ من وضعه المعيشي، لا ولم ولن يرضى أن يمدَّ يده آخذاً شربة ماءٍ ولو كان ظامئ العطش، فالمعادلة باتت ماء الوجه أولاً.

وللجيش دينٌ يألفه لا يُشبه دينكم وطوائفكم، لا بل أصلب لأنه خارج المقارنات، فهل جرّب أحدكم أن يتخذ وطنه ديناً؟ فكبّر شرفاً ورسم الصليب تضحيةً، وقادته شدة الوفاء إلى الإستشهاد؟

لنستذكر معاً ما كُتب على لافتة حملها أحد العسكريين المتقاعدين خلال تظاهرة أمام وزارة المال:

«عارٌ عليكم... في الحرب تواريتم خلف حذائي

وفي الرخاء تسرقون مني غذائي».

علَّه فصل الكلام، فليست المشكلة في اللغة التي استعملها المتقاعد ليصف واقع ما يشعر به من إنكسار، المشكلة في ما وصلت إليه البلاد على صعيد الأمن الاجتماعي والغذائي والذي يُهدد بالإطاحة بكل شيء، ويضرب عامل الثقة والإحترام بين المواطن والبزّة العسكرية.

البلاد تئنّ تحت وطأة أزمة برؤوس كثيرة، مالية اقتصادية سياسية تشريعية، ولكَ أن تسمّيها كلها ولن تجد من يناقشك في صحة هذا الأمر من عدمه. وعلى وقع هذه الأزمات تزداد غربة المواطن في وطنه. يكبر غضبه ويزيد كلما لمس غياب اهتمام أهل الحلّ والربط بواقعه. هو يشعر أنه تُرِك لوحده، لمواجهة مصيره.

هذا العسكري لم يخشَ العدو في المعارك، ولم يتأخر عن تلبية نداء الواجب في كل الساحات، ولكنه يخاف من صرخة جوع أولاده، يخاف من موعد مع طبيب، يخاف من دخول مستشفى. يخشى عطلاً يطرأ على سيارته. ينشغل بصحة أهله في موسم البرد. تركوه وحيداً في معركة لا يملك سلاحاً لمواجهتها.

لا تأخذوا عليه لغته فلولا الحذاء الذي في قدميه، لما استطاع أن يقف عند الحدود وعلى الحواجز، وحين استدعاه الواجب، نحن من علينا أن نخجل مما بلغ به الأمر. على مدى ما مرَّ من حروب واجتياحات ومكائد وانتدابات وأحداث، كان حجم البعض منها يفوق حجم وطاقة الـ10452 كلم2، وقد خرجنا منها بأملٍ بغدٍ أفضل، ودخلنا فصولاً جديدة من فصول حب هذه الأرض والتعلّق بهذا الوطن.

«هذه هي عقيدة الجيش اللبناني لمن أضلّ الطريق».

(*) وزير سابق


MISS 3