"جلست والبسمة في عينيها، تتأمل احداث المسلسل التركي "التفاح الحرام" على محطة MTV. قالت يا ولدي لا تقلب المحطة، فالدنيا خارج هذا المسلسل مقلوبة رأساً على عقب، ولا شيء غيره يرفّه عني في هذا الزمن الملعون، يااااا ولدي"…
هذه كانت أمي، وأمهات كثيرات غيرها، وفئة كبيرة من الشعب اللبناني، وحتى انا شخصياً والنائب ملحم رياشي ننتظر هذا المسلسل تحديداً، وبفارغ الصبر. ستقولون ان حبكته ضعيفة وخرافية ويصعب ان نصدقها حتى في الاحلام، ومنطقه لا يشبه سوى منطق افلام الكرتون والرسوم المتحركة المخصصة للاطفال ما دون سن الـ5 أعوام، واحداثه تقلب الامور رأساً على عقب اسرع من زلزال تركيا على مقياس ريختر، وشخصياته الكاريكاتورية تغيّر مواقفها اسرع من بَيْكنا اللبناني؟ صح، مزبوط ومعكم حق، ولكن هذا تحديداً ما يجعله مضحكاً وشبيهاً جداً بمسلسلنا اللبناني الطويل: كوميديا هزلية تراجيدية ساخرة مأسوية ومسلية، نتابعها وكأننا غير معنيين فيها، نتأثر للحظة لدولار حلّق ومدينة فُجِّرت ودواء فقِد ومصرف حُرِق، ثم ننتقل لشيء آخر، وكأن ما كان، مجرد مشهد وقطع.
نشاهد هذا المسلسل الكوميدي، لأن كثراً منا يحتاجونه ربما في هذا الزمن الملعون الذي نغرق فيه كلنا في الاحزان والكوارث والهزّات والانهيارات السياسية والاقتصادية والانسانية والاخلاقية والطبيعية.
لمدة 35 دقيقة يومياً (ما عدا الخميس والجمعة) نتابع، بعد تراجيديا نشرة الاخبار ومآسيها التي لم تعد تنفع معها كلمة "يا حرام"، اجواء كوميدية بطعم التفاح الحرام، تميل معظم الاحيان نحو الهزلية، وتوهمنا أنها تبعدنا عن واقعنا المرير، وتجعلنا نستعيد اياماً مضت ولن تعود، ايام كنا نتأنق حتى للذهاب الى العمل. نتابع احداثاً تنقلب رأساً على عقب بين مشهد وآخر، وشخصيات متنافرة تتّحد ثم تختلف ثم تحب بعضها البعض ثم تكره بعضها البعض، تماماً كما يحدث في المشهد اللبناني. كيف ولماذا وبأي منطق تنقلب هذه الاحداث والشخصيات؟ لا يهم، المهم انها تتغيّر وتجعلنا نتأمل في قرارة انفسنا امنيات من الصعب ان تتحقق في مسلسلنا اللبناني الطويل، كأن تموت "شاهقة" الشريرة مثلاً، وتخسر "إندر المصلحجية" التي تبدّي مصلحتها الشخصية على الجميع، وتنتصر "يلدز" الطيبة. نتأمل رغم معرفتنا المسبقة ان قسماً كبيراً من اللبنانيين يحب الاشرار ويعتبرهم ابطالاً… في الحلقة الاخيرة الماضية من "التفاح الحرام"، تآمرت "إندر" على حليفتها شاهقة، ويبدو ان الطلاق سيقع بين شاهقة والريّس علي حسن، وشاهقة لن تعود الريّسة. لا تفرحوا كثيراً ايها اللبنانيون، فالامور ستنقلب كالعادة رأساً على عقب، واتفاقات اخرى ستعقد تحت الطاولة، والريّس اعلم الله من سيكون، والمسلسل التركي سيستمر ويستمر ويستمر، وتراجيديا اللبناني ايضاً وايضاً وايضاً.
